الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون. وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله سيدنا محمد قامع الشرك والضلالة ومظهر الحق والداعي إليه عليه الصلاة والسلام وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً. أما بعد:
لغة: ما أُحدث على غير مثال سابق.
وشرعاً: هي طريقة مخترعة في الدين تضاهي الشرعية فهي في مقابل السنة وضد السنة، ولنسق بعض النصوص في شأن البدعة.
1- عن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله : { ومن يعش منكم بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ وإياكم من محدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة } [أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه والدارمي والحاكم وابن حبان وصححه الألباني في تخريج كتب السنة].
2- عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله : { من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وخير الحديث كتاب الله عز وجل وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة } [رواه مسلم والبيهقي وعنده وعند النسائي { وكل ضلالة في النار } بإسناد صحيح].
3- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد } [متفق عليه]، وفي رواية لمسلم: { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد }.
قال ابن حجر على كل بدعة ضلالة وهذه الجملة قاعدة شرعية فكل بدعة ضلالة فلا تكون من الشرع لأن الشرع كله هدي.
وأما حديث عائشة فهو من جوامع الكلم وهو ميزان للأعمال الظاهرة والمبتدع عمله مردود ولأهل العلم فيه قولان: الأول: أن عمله مردود عليه. والثاني: أن المبتدع رد أمر الله لأنه نصب نفسه مضاهياً لأحكم الحاكمين فشرع في الدين ما لم يأذن به الله.
وإليك ما ورد في شأن البدعة من كلام بعض صحابة رسول الله :
قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: { اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم } [رواه الطبراني والدارمي بإسناد صحيح].
وقال عبدالله بن عمر رضي الله عنه: { كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة } [أخرجه الدارمي بإسناد صحيح].
وقد أنكر ابن مسعود على قوم جالسين في المسجد ومع كل واحد منهم حصاً وبينهم رجل يقول: ( كبروا مائة ). فيكبروا مائة. فيقول: ( هللوا مائة ). فيهللو مائة. فيقول: ( سبّحوا مائة ). فيسبحوا مائة. وقال: { والذي نفسي بيده أنكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد أو مفتحوا باب ضلالة } قالوا: ( ما أردنا إلا الخير ). فقال: { وكم من مريد للخير لن يصيبه }. [أخرجه الدارمي وأبو نعيم بإسناد صحيح].
وهذا من فهم سلف الأمة لخطر البدعة وقد قال إمام دار الهجرة مالك رحمه الله: ( من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة لأن الله يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فما لم يكن يومئذ لا يكون اليوم ديناً ).
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: ( من استحسن فقد شرع ) وقال الإمام أحمد رحمه الله: ( أصول السنة عندنا التمسك بما كان عليه أصحاب الرسول والاقتداء بهم وترك البدعة وكل بدعة ضلالة ).
خطر البدع
1- عمله مردود عليه. 2- تحجب عنه التوبة ما دام مصراً على بدعته. 3- لا يرد حوض النبي . 4- عليه إثم من عمل ببدعته إلى يوم القيامة. 5- صاحب البدعة ملعون. 6- صاحب البدعة لا يزداد من الله إلا بعداً. 7- إن البدعة تميت السنة. 8- البدعة سبب الهلاك. 9- البدعة بريد الكفر. 10- البدعة تفتح باب الخلاف الذي لم يُبن على دليل بل على الأهواء. 11- التقليل من شأن البدع يؤدي إلى الفسوق والعصيان.
شبهات لمحسني البدع وردها
1- { ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء }. أولاً: هذا الحديث لا يصح مرفوعاً بل هو من كلام ابن مسعود وقول الصحابي لا يعارض بقول الرسول ، وعلى فرض صحته فيخرج على أن ما رآه جميع المسلمين حسناً فيكون إجماعاً والإجماع حجة. ولا حجة لمن رأى استحسان البدع. والإجماع الأصولي المعتبر هو إجماع أهل العلم في عصره، وليس من شك أن المقلدين ليسوا من أهل العلم. وأكثر من يعمل هذه البدع هم من المقلدين.
2- قول عمر رضي الله عنه: { نعمة البدعة هذه } وهذا في صلاة التراويح وهي سُنة، ولكن عمر لما أقامها جماعة وقد ترك الرسول إقامتها على إمام واحد خشية أن تفرض. قال: ذلك من باب البدعة اللغوية وهو ما لم يكن على غرار سابق فلم تكن في عهد أبي بكر أو أن عمر لما أسرج المسجد واجتمع الناس رأى أن عمله هذا جديد وهو الإسراج فقال: { نعمة البدعة هذه } وأيضاً عمر من الخلفاء الراشدين الذين يستدل بقولهم ما لم يخالفوا النص.
3- { من سنّ في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء }. وهذا الحديث له قصة، وهي أنه جاء إلى الرسول قوم من مُضَر حفاة عراة مجتابي النمار فلما رآهم الرسول تمعر وجهه لما رأى بهم من الفاقة فأمر بلالاً فأذن وأقام فصلى ثم خطب بالناس يحثهم على الصدقة فجاء أحد الصحابة بسُرّة كادت يده أن تعجز عن حملها فتتابع الناس حتى اجتمع كومين من طعام وثياب فقال الرسول : { من سنّ في الإسلام سنة حسنة.. } فالسنة أنه أحيا سنة الإنفاق بسخاء وليس هو الذي سن الصدقة.
4- العرف وهو ما عليه كثير من الناس من بدع تعارفوا عليها وتمسكوا بها لأنها أعرافهم التي أدركوا عليها آباءهم وهذه هي علة المشركين في جحدهم للحق إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف:23]. والجماعة ليس هم الكثرة ولكن الجماعة هم من وافق السنة ولو كانوا قليلين. قال : { إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء } قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: { الذين يصلحون إذا فسد الناس } [حديث صحيح].
وقال ابن مسعود: ( الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك ).
من أسباب الابتداع
1- الجهل بالسنة المطهرة ومصطلح الحديث بحيث لا يميزون بين الصحيح والضعيف فتكثر الأحاديث الضعيفة والموضوعة مثل بدعة النور المحمدي، تعتمد على حديث موضوع { أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر } وبدعة خلق المخلوقات من أجل محمد تعتمد على حديث مكذوب { لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك } وخفي على واضعه أن محمداً لولا الخلق ما بعث، قال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ [الأنبياء:107].
2- إتخاذ الناس رؤساء جهالاً يقومون بالفتوى والتعليم ويقولون في دين الله بغير علم.
3- عادات وخرافات لا يدل عليها شرع ولا يقرها عقل مثل: بدع المولد والمآتم وغيرها.
4- اعتقاد العصمة في الأئمة المجتهدين وإعطاء الشيوخ قداسة تقارب منازل الأنبياء.
5- إتباع المتشابهة من الآيات والأحاديث وعدم ردها إلى المحكم.
المولد النبوي
أول ظهوره: أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع وهم عبيديون ولا صلة لهم بفاطمة رضي الله تعالى عنها، وهم زنادقة يتظاهرون بأنهم روافض وباطنهم الكفر المحض أحدثوا ستة موالد: المولد النبوي ومولد الإمام علي ومولد السيدة فاطمة رضي الله عنها ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما ومولد الخليفة الحاضر ثم أبطلها الأفضل بين أمير الجيش ثم أعيدت على يد الآمر بأحكام الله الفاطمي سنة أربع وعشرين وخمسمائة بعد ما كاد الناس أن ينسوها.
وأول من أحدث المولد بمدينة إربل الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري في القرن السابع واستمر العمل به إلى يومنا هذا. ولم تكن هذه الموالد من عمل السلف الصالح أهل القرون الثلاثة المفضلة، ولا من عمل الأئمة الأربعة وإنما أحدثها الزنادقة والجهال بعد القرون المفضلة فهو بدعة في دين الله ولا تجد مشركاً إلا وهو منقص للرب سبحانه ولا مبتدعاً إلا منقصاً لرسول الله .
بطلان عيد المولد من وجوه
1- أن رسول الله ثبت عنه أنه لما جاء المدينة وعندهم أعياد أبطلها وقال: { عيدنا أهل الإسلام عيد الفطر وعيد الأضحى }.
2- أن النصوص تنهى عن البدعة وتصفها بأنها ضلالة { وكل بدعة ضلالة }.
3- أن الأعياد ليست من قبيل العادات وإنما هي من قبيل العبادات ولذلك أبطل رسول الله أعياد أهل الجاهلية.
4- أنها من ابتداع الروافض أعداء السنة والإسلام وهم أهل البدع وبناء القباب والمساجد على القبور.
5- عدم فعل أحد من السلف الصالح لهذه البدعة مع أنهم أكمل إيماناً وأفهم للنصوص وأي شيء يتدين به ولم يكن من عمل السلف فليس بدين بل بدعة محدثة.
المهتمون بالمولد
1- صنف همهم نشر البدعة والتفاني في ذلك وليسوا من أهل العلم والصلاح وإنما مشهور عنهم التقصير في السنة وفي حضور الجمع والجماعات والطاعات وإنما ينشطون عند البدع مع البيان لأكثرهم أنهم على بدعة ولكنهم مصرون عليها.
2- الجهال من العامة الذين يعتقدون أنها عبادة مشروعة ويتبعون من يقودهم إلى الهاوية.
3- أناس همهم الشهوات مما يجدون في المولد من أكل وشرب واختلاط بالنساء ونحو ذلك.
وبعد هذا أوصي نفسي وإخواني المسلمين بتجنب البدع ومن وقع في شيء منها فعليه تركها والرجوع إلى السنة وأوصي بقراءة بعض الكتب المتعلقة بذم البدع مثل ( كتاب الإعتصام ) للشاطبي المالكي رحمه الله و ( كتاب الإبداع في مضار الابتداع ) لعلي محفوظ و ( رسالة التحذير من البدع ) للشيخ عبدالعزيز بن باز و ( رسالة البدع وأثرها السيء في الأمة ) لسليم الهلالي وهي رسالة مفيدة جداً على اختصارها.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى وأسأل الله أن يغفر لي ووالديّ ولجميع المسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.