(1649 كلمة)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده … أما بعد :
من أنا حتى يعجبني أو لا يعجبني؟ أنا الفضيلة، أنا الغيرة الساكنة في قلب كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر، أنا العقل السليم، أنا الحياة الدافئة بأنوار الشريعة، أنا الشرف المولود، أنا الحياء الموروث، أنا ضفتا العفة، أنا الخير الذي يشع على كل بلاد ألتزمتني، أنا الحياة السعيدة.
بعد أن عرفتم من أكون؟ لا أنسى أن أعرفكم من تكون تلك الفتاة التي لا تعجبني .. إنها فتاة، إنها صبية، إنها امرأة .. وكيف لا تعجبني؟ أبوح لكم بالجواب، إنها فتاة تخلت من أساور الإسلام، واستبدلتها بقيود الموضة وسلاسل التبعية، إنها فتاة نحرت الحياء ورمت به بعيداً بعيداً.
كل يوم تسأل عن الموضة، وكل ليلة تساهر القمر تبحث وتفكر في أمور تخالف فطرتها التي فطرها الله عليها، أمور تافهة، وأفكار سافلة، ترى نفسها فوق الآخرين، لماذا؟ لا أدري! قد يكون بتصورها السامج وإعجابها بجمالها الكاذب.
خدعوها بقولهم حسناء *** والغواني يغرهن الثناء
نعم! فالجمال ليس كما تتخيله هذه المسكينة التائهة؛ بل الجمال جمال العلم والأدب. أما من مشت في المنحدرات المظلمة والمستنقعات الموحلة الموحشة، فهي أقبح ما تكون عند من لا يغتر بالمظاهر.
على وجه مي مسحة من ملاحة *** وتحت الثياب الخزي لو كان باديا
وقد يكون إعجابها بنفسها بسبب دريهمات جعلها الله تعالى في يدها، أخشى أن تنفقها ثم تكون عليها حسرة، أو بلسانها الذي يقطر غيبة في المجالس، وكذباً في الكلام ولعناً، وتشبعاً بما لم تعط، أقبح بها من خصال تورد صاحبتها شلالات البوار.
أرجع إلى فتاتنا الصبية وصبيتنا المرأة، التي جعلت من نفسها عفناً ينجذب إليه المتسكعون في الأسواق ليلاً ونهاراً، لم يودعها ولم يردعهم دين ولا مروءة ولا حياء، إنها فتاة نزعت ذلك القناع الذي بجملها، ألا وهو قناع الحياء، لم تفكر يوماً من الأيام أن تخدم دينها، لم تفكر ساعة في أهوال القبر وعذابه، قال تعالى: إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً [النبأ:27].
ليس عندها ولا ذرة أمل أو بقايا همة في أن تتمثل بما تمثل به النساء الصالحات؛ لتخدم هذا الكيان العظيم (الإسلام) فترفل في ثياب العز، وتنتظرها جنة عرضها السموات والأرض. إنما نظرها ماذا لبست الممثلة الفلانية؟ وما هي قصة عارضة الأزياء الفرنسية؟
هل يستوي من رسول الله قائده *** دوماً وآخر هاديه أبو لهب
وأين ما كانت الزهراء أسوتها *** ممن تقفت خطاً حمالة الحطب
يا لها من غافلة خسرت ورب الكعبة بحديث النبي : { صنفان من أمتي لم أرهما قط: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات } الحديث. فهي مكتسبة اسماً عارية في الحقيقة؛ فيا لها من حسرة في الدنيا، وعار بين الأهل والعشيرة، يعقبهما عذاب شديد في الآخرة، وهي أيضاً مائلة في مشيتها وفي كلماتها، مميلة للسذج من الرجال.
كم هي ضعيفة العقل؛ فهي لا تعد الناصحين والواعظين والمشفقين عليها من نار وقودها الناس؛ إلا أنهم أناس لا يعرفون التمدن، ولا يعرفون الحضارة، ولا يفقهون الحياة الحقيقية في زعمها، وصدق الله العظيم إذ ïقول: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ [الجاثية:23].
نعم لقد اتبعت هذه الفتاة هوها وغرها طول الأمل، فكم نبهت في الدنيا وحذرت قبل الموت؛ فأبت إلا أن تسير في الأوحال والظلمات، فلم تأبه لصيحات المحذرين من الوقوع في الهاوية، ولا لصرخات المنذرين من العذاب الأليم يوم القيامة.
تمر الأيام تترى وهي ساهية لاهية؛ نسيت هذه أن كل يوم يمضي إنما هو نقص من عمرها، وكل ساعة تمر تدنيها من قبرها الذي يناديها كل ليلة وهي لاهية، ولابد أن تستجيب شاءت أم أبت. إن تكلمت تبين سفورها في كلامها قبل وجهها، عدوة نفسها ودينها ومجتمعها، تتبجح عند مثيلاتها وزميلاتها بما رأت عبر الفضائيات من أمور يستحي المرء من وصفها، بل وتحثهن على متابعة تلك القنوات، فتبوء بإثمها وإثم كل من رأى بسبها ما رأى.
يا حسرة على النساء !
ضاعت الأعمار، وضلت الأعمال، والموت كل يوم يدعوها إلى أجلها، قد تكون رزقت شهادة سوف تكون حجة عليها لا لها، وقد تكون سائقة لها إلى النار لا قائدة لها إلى الجنة. هي في حقيقة أمرها جاهلة وإن نالت الشهادات العليا والمراكز العلية. ويا لهفي على الأجيال التي تخبئها أرحام تلك الناقصات.
وإذا النساء رضعن في أمية *** رضع الرجال جهالة وخمولاً
وقد تكون تلك المرأة رزقت أخاً أو زوجاً يقوم بتوصيلها إلى الأسواق ثم يتركها وحدها، وقد ينزل معها ولكن نزوله وعدمه سواء؛ فينزل معها (وعيناها) بائنتان بحدودها التي نالت نصف الوجنتين (والكفان) ظاهران إن لم نقل (الذراعين) تقلبهما حين تريد (مكاسرة البائع) (والقدمان) واضحتان لكل متسوق، أتعجب كل العجب، وأسأل نفسي: لماذا خرج معها زوجها إذن؟
الجواب معروف؛ فقد أخرجته هل لتحمله البضائع التي سوف تشتريها حيث اتخذته سلة لمشترياتها.
ولتعلم علم اليقين من كانت على منوال تلك الفتاة أنها قد تكون ممن يمسي في لعنة الله، ويصبح في غضبه، وتروح وتجيء في سخطه، فلتنتبه قبل أن لا ينفعها الانتباه، ولتعلم أنها لو تنعمت بأشكال اللذائذ وأنواع النعم طوال حياتها، ثم غمست غمسة في جهنم لأنكرت أن يكون مر بها نعيم قط، كما جاء في الحديث.
لم نزل ننظر إلى صبيتنا الفتاة وهي فترح وتمرح، كم هي مسكينة مخدوعة، غرقت في بحار الأماني، وهلكت في محيط الأمل، والموت أقرب من شراك نعلها، هي تمشي بين الأسواق وما تدري ماذا أعد الله لها، وتنام ملء جفونها ولا تعلم ماذا ينتظرها من عذاب الله، وتضحك مع زميلاتها وربها سبحانه قد يكون ساخطاً عليها. لم يدر بخلدها تلك الحفرة الضيقة ذات اللازم الدامس التي سوف توضع فيها.
لا تحب أحداً يذكرها بالموت؛ لأنه ينغص عليها لذاتها المحرمة، تريد أن تخادع نفسها حتى يهجم عليها الموت، حينها لن تخادع نفسها حتى يهجم عليها الموت، حينها لن ترجع إلا وفريسته في يده، وسوف تكون ممن يقول: يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي [الفجر:24]، يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ [الزمر:56]. فإذا دقت ساعة الصفر، واقترب الموت، ولاقاها الذي طالما كانت تفر منه، ولا تحب أن تسمع ذكره؛ رأيت البكاء والدموع والتأوهات، إذ جعلت تستعرض شريط الذكريات السوداء التي لطختها بالسعي في الأرض والأسواق فساداً، أغوت عدداً من الشباب، وتبرجت في الأسواق، وتحدثت بتلك المكالمات الآثمة التي لا ترضي الله، وخانت والديها، وأصبح الإسلام يشتكي إلى الله منها؛ فتقول وهي على بوابة الآخرة: رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ [المؤمنون:100،99] إنه غباء مطبق ما بعده غباء.
إني أقول لتلك الفتاة: اعلمي أن قبرك الآن ينتظرك وهو إما وإما، إما أن يكون روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، فإن كانت الأولى فاسعدي وقري عيناً، وإن كانت الثانية فما أشقاك وأتعسك والله. فهلا جلست أيتها الفتاة فتدبرت أي الحفرتين مصيرك؟ أي القبرين جزاؤك؟
أيتها الفتاة، ألا تذكرين إحدى زميلاتك اللاتي قد تبادلت معها بعض الحديث، ثم أخبرت بعد ذلك أنها قد أكملت الأيام التي قدر الله لها أن تعيشها، ثم هي بين اللحود .. فما تظنين أن تقول أو تعمل لو سمح لها بالعودة إلى الحياة؟ وهل فكرت وسألت نفسك: لماذا أخذها الموت وتركني؟ فقد يكون هذا رحمة من الله تعالى لك، فأراد أن يذكرك وحق لمن اتعظ بغيره أن يسمى عاقلاً.
فإن كنت قد اغتررت بمغفرة الله ورحمته فتذكري تلك الآية التي كان يرددها أبو حنيفة رحمه الله تعالى وهو قائم بتهجد آخر الليل، فلم يستطع أن يتجاوزها من البكاء خوفاً أن يكون منهم، وهو على ما هو عليه من التقوى والخشية؛ وهي قول الله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47] أما أنت فقد جمعت عملاً سيئاً مع أمن من عقوبة الله وهذا غاية الخسران. يقول الحسن البصري رحمه الله: إن قوماً آلهتهم الأماني بالمغفرة حتى خرجوا من الدنيا وما لهم حسنة، يقول أحدهم: إني أحسن الظن بربي. وكذب؛ لو أحس الظن لأحسن العمل. ثم تلا قول الله تعالى: وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ [الزمر:47].
أختاه ، يا من ظلمت نفسها، لا تغتري بنساء الغرب الفاجرات ومن شاكلهن ممن يعيشن في الحظيرة لا الحضارة، فإن أولئك وصفهم الله تعالى بقوله: إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44] ثم انظري في مآلهم بعد ذلك: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ [الأنبياء:98] وقال تعالى منبهاً لنا نحن المسلمين: وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ [محمد:12] فهل تريدين أن تكوني مثلهم؟ كأني بك وقد اقشعر جلدك، وقف شعر رأسك، تقولين بملء فيك: معاذ الله. فأرجو أن تقولي بعدها: توبة يا رب.
يا رب هل من توبة *** تمحو الخطايا والذنوب
وتزيل هم القلب عـنـ *** ـي والكآبة والشحوب
وقفة مشرقة
ينبغي لكل فتاة أن تنظر إلى وجهها في المرآة، فإن كان جميلاً فلتكره أن تسيء إلى هذا الجمال بفعل قبيح، وإن كان قبيحاً فلتكره أن تجمع بين قبيحين: فبح في الوجه، وقبح في الفعل.
تدبري يا غافلة !
إلى هذه الفتاة ومثيلاتها أنثر لهن باقة من النصائح الشعرية؛ علها أن تحرك قلباً قسا من طول الأمد، والجري خلف الأمل، حتى أصبح كالحجارة أو أشد، ونفساً سكنت أرض الله تعالى وما عرفت الله طرفة عين.
يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى:
أتيت القبور فناديتها *** فأين المعظم والمحتقر
وأين المذل بسلطانه *** وأين القوي على ما قدر
تفانوا جميعاً فما من خبر *** وماتوا جميعاً ومات الخبر
تروح وتغدو بنات الثرى *** فتحو محاسن تلك الصور
فيا سائلي عن أناس مضوا *** أما لك فيما مضى معتبر
ويقول الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:
انظر لنفسك يا مسكين في مهل *** ما دام ينفعك التفكير والنظر
قف بالمقابر وانظر إن وقفت بها *** لله درك ماذا تستر الحفر
وأختتم كلامي بقول الشافعي رحمه الله تعالى:
لله لو عاش الفتى في دهره *** ألفا من الأعوام مالك أمره
متلذذاً فيها بكل عجيبة *** متمتعاً فيها لغاية عمره
لم يعرف الأسقام فيها مرة *** أيضاً ولا خطر الهموم بفكره
ما كان هذا كله بجميعه *** بمبيت أول ليلة في قبره
ما احلم الله عنها حيث أمهلها أياماً وسنين لعلها تستيقظ من غفلتها؛ فتراجع حساباتها مع الله تعالى، وتنظر في مصارع مثيلاتها كيف كانت؛ فتعظ وتعتبر بغيرها قبل أن يعتبر بها غيرها أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ [التوبة:126].
أختاه، أرجو أن تعذريني إن قسوت في العبارة، فإنما هي صيحة مشفق، ونصيحة محذر، وصرخة غيور، كتبتها بزفرات فؤادي؛ علها أن تعيها أذنك، ويستجيب لها فؤادك، ويفيق لها عقلك، وهي تحذير وذكرى لمن كان لها قلب أو ألقت السمع.
سأظل أنفخ في الرماد لعله *** يوماً يعود الوهج للنيران
وأظل أضرع للإله لعله *** يوماً يعود الناس للرحمن
أسأل الله أن يجعل نظرك عبراً، وصمتك فكراً، ونطقك ذكراً، وأن يجعلك هادية مهدية، تعيشين سعيدة، وتموتين شهيدة، وتحشرين مع عائشة وفاطمة وخديجة، مع اللاتي أنعم الله عليهن بالنصيحة والدعوة إلى الله والإخلاص لهذا الدين. آمين. |