(2282 كلمة)
الحمد لله اللطيف الخبير، العلي الكبير، والصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
فهنيئاً لكم حجاج بيت الله عزمكم وقصدكم.. هنيئاً لكم استجابتكم لأمر ربكم حين يقول: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ [الحج:27].
أما والذي حـج المحبـون بيتــــه *** ولبو لـه عند المهل وأحـرمواُ
وقد كشفوا تلك الرؤوس تواضعاً *** لعـزة من تعنوا الوجـوه وتسلمُ
يهـلون بالبطحـاء لبيـك ربنـــــا *** لك الحمـد والملك الذي أنت تعلمُ
دعـاهـم فلبوه رضـا ومحبـــــــة *** فلما دعـوه كان أقـرب منهـمُ
وقد فارقوا الأوطان والأهل رغبة *** ولـم تثنـهـم لـذاتهـم والتنعمُ
الحج.. أيها الأحبة.. الركن العظيم، والفرض الجليل.. إنه من أعظم القربات، وأفضل الطاعات..
فعن أبي هريرة قال: سُئل النبي : ( أي الأعمال أفضل؟ ) قال:{ إيمان بالله ورسوله }، قيل: ( ثم ماذا؟ ) قال: { جهاد في سبيل الله }، قيل: ( ثم ماذا؟ ) قال: { حج مبرور } [متفق عليه].
وهو موسم الخيرات، وفرصة عظيمة لمحو الخطايا والسيئات..
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : { تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد } [رواه أحمد والترمذي والنسائي].
وفي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: { من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه }.
وحين لامس الإسلام شغاف قلب عمرو بن العاص جاء النبي فقال: ( ابسط يمينك فلأبايعك )، فبسط رسول الله يمينه، فقبض عمرو يده، فقال عليه الصلاة والسلام: { مالك يا عمرو }، قال: ( أردت أن أشترط )، فقال : { تشترط بماذا؟ } قال: ( أن يغفر لي )، فقال عليه الصلاة والسلام: { أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله } [رواه مسلم].
وجاءت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلى النبي فقالت: ( يا رسول الله ألا نغزوا ونجاهد معكم )، فقال عليه الصلاة والسلام: { لكنّ أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور } فقالت: ( فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله ) [رواه البخاري].
وهو طريق يسير لرضى الرحمن، والفوز بالجنان.. فعن أبي هريرة أن رسول الله قال: { العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة } [متفق عليه].
الله أكبر.. جنة عرضها السماوات والأرض فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ينالها بعد رحمة الله وتوفيقه متى ما وفق للبر في حجه..
أخي الحاج..
وكأني بك وقد اشتاقت نفسك للمغفرة والرضوان.. وتاقت روحك لنعيم الجنان.. وكأني بك تتساءل عن السبيل للوصول إلى هذا الفضل المذكور، وتهفو نفسك للحج المبرور.. فتعال - يرعاك الله - لنتذاكر شيئاً من صفات الحج المبرور وشروطه..
فمن صفات الحج المبرور:
تحقيق التوحيد
فتوحيد الله تعالي وإفراده بالعبادة مقصد كل فريضة، وهدف كل عبادة.. قال تعالي: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5].
وهو يتأكد في الحج خاصة، ولذا كان شعار الحج "التلبية"، وهي إقرار بتوحيد الله وحدة لا شريك له، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: ( كان تلبية رسول الله : { لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك } ) [متفق عليه].
فلا يُدعى إلاّ الله، ولا يُعتمد ويُتوكل على غيره، ولا يُصرف شيء من العبادات من ذبحٍ ونذر ودعاء وجميع العبادات القلبية والقولية والعملية لأحد سواه، سواء أكان ملكاً مقرباً أم نبياً مرسلاً أم رجلاً صالحاً أم وثناً أم قبراً أم غيرها.
فالله أغنى الشركاء عن العمل المشرك فيه، ولذا يقول سبحانه في الحديث القدسي: { أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه } [رواه مسلم].
فاحرص سددك الله على تنقية إيمانك من كل ما يشوبه، وليكن شعارك: قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163،162]
الإخلاص
فالإخلاص شرط أساس لقبول العمل، قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً [الملك:2].
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: ( أي أخلصه وأصوبه ).
فجاهد نفسك على إخلاص نيتك وعملك لله وحده، واحذر من أن يحبط عملك رياء أو سمعة، وراقب الله وحده ولا تهتم بثناء ونظر من سواه، فقد روى ابن ماجة عن أنس بن مالك قال: ( حج النبي على رحل رث وقطيفة تساوي أربعة دراهم أو لا تساوي ثم قال: { اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة } ).
التأسي برسول الله
قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً [الأحزاب:21].
فينبغي للحاج أن يحرص على صحة عمله، وذلك بأن يتعلم مناسك حجه وواجباته وسننه كما شرعها الله تعالى ورسوله، وليحرص على متابعة النبي في أوامره ونواهيه وحركاته وسكناته فهو الأسوة والقدوة.
فعن جابر قال رأيت النبي يرمي على راحلته ويقول: { لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه } [ رواه مسلم].
التوبة النصوح
فما أجمل أن يبدأ المسلم نُسكه بتوبة نصوح، يبرهن بها على صدق نيته وقصده..
فاجعلها منطلقك إلى الحج، وأ‘لنها توبة نصوحاً لله تعالى من كل إفراط وتقصير..
فالله تعالى جواد كريم يفرح بتوبة عبده مع غناه عنه، وهو سبحانه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل.
وفي الحديث القدسي يقول الله تعالى: { يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم } [رواه مسلم].
فاعزم على التوبة والاستغفار، واجعلها توبة نصوحاً خالصةً لله استجابة لأمره حين قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
النفقة الحلال
فالله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً، فاحرص وفقك الله على تحري النفقة الطيبة..
فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { يا أيها الناس إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك }.
إقامة ذكر الله
فإن ذكر الله تعالى وتحميده وتسبيحه وإجلاله من مقاصد الحج الكبرى..
قال تعالى: وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ [الحج:28،27].
وقال تعالى: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ [البقرة:198].
وقال سبحانه: وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ [البقرة:203].
فالواجب على الحاج أن لا يفتأ لسانه عن ذكر الله تعالى والثناء عليه، فهي وصية الحبيب لمن أراد الفوز والنجاة..
جاء رجلٌ إلى النبي فقال: يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت علي فأخبرني بشيء أتشبث به، فقال : { لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله } [رواه أحمد والترمذي وغيرهما].
الإلحاج على الله بالدعاء
فالدعاء باب عظيم من أبواب العبادة..
والله تعالى يحب من عبادة دعاءه ورجاءه، ولذا قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر60].
وقال سبحانه: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ [الفرقان:77].
والحج من المواطن التي يُرجى فيها إجابة الدعاء، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: { الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله؛ دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم } [رواه ابن ماجة].
فألح على الله تعالى بالدعاء، لك ولأهلك ولأمتك، وتحرّ أوقات الإجابة ومواطنها كعند الصفا والمروة ورمي الجمار وعند المشعر الحرام، وأجلها وأعظمها في يوم عرفة. وما أدراك ما يوم عرفة.. يوم يتنزل الرحمن جل جلاله وتقدست أسماؤه فيباهي بأهل الموقف ملائكته.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : { ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنوا ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ماذا أراد هؤلاء؟ } [رواه مسلم].
وقال : { خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبييون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير } [ رواه الترمذي].
استغلال الأوقات والتزود من الصالحات
فساعات الحج محدودة، وأيامه معدودة..
فاحرص على التزود فيها بالصالحات، واستغلالها فيما يرضي رب الأرض والسماوات..
كالذكر والدعاء، وقراءة القرآن وحضور حلق الذكر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
وليكن لك نصيب وافر من الدعوة إلى الله تعالى بالكلمة الطيبة، والشريط والكتاب النافع، فقد قال جل من قائل: وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ [فصلت:33].
كما احرص وفقك الله لكل خير على الإحسان إلى الحجاج ونفعهم والصبر على أذاهم، فهم وفد الله والإحسان إليهم سبيل ميسر للوصول إلى الحج المبرور، فعن جابر قال: قال رسول الله : { الحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنة }، قالوا: يا نبي الله ما الحج المبرور؟ قال: { إطعام الطعام وإفشاء السلام } [ رواه أحمد].
واعلم أن أكمل الطاعات وأجلها المحافظة على الفرائض التي افترضها الله على عباده كالصلاة والصيام والحج والبُعد عن المحرمات..، وأن النوافل طريق لمحبة الله ورضاه، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيءٍ أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه }.
فاحرص على المحافظة على الصلوات في أوقاتها مع الجماعة وجاهد نفسك للخشوع فيها لعل الله أن يكتبك من الخاشعين..
البعد عن الرفث والفسوق والجدال
قال الله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [البقرة:197].
وقال : { من حج هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه } [متفق عليه].
فأما الرفث فقد قال ابن عمر رضي الله عنهما: ( هو إتيان النساء والتكلم بذلك للرجال والنساء، إذا ذكروا ذلك بأفواههم ). وقال عطاء بن أبي رباح: ( الرفث هو الجماع وما دونه من قول الفحش ).
وأما الفسوق فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وغير واحد من السلف بأنه المعاصي بجميع أنواعها.
والجدال هو المراء في غير الحق..
فالواجب على الحاج البعد عن ذلك كله، وترك المعاصي وتجنبها، سواءً أكانت غيبة أم نميمة أم كذب أم سب أم سماع محرم أم نظرة محرمة أم شرب محرم..
ومتى ما حرص الحاج على الطاعات وتجنب المنكرات؛ زاد إيمانه وتقاه، وامتثل أمر ربه الذي أمره بقوله: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ [البقرة:197].
حسن الخلق
فقد سُئل رسول الله عن البر والإثم فقال: { البر حسن الخلق والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس } [رواه مسلم].
وعند الترمذي وأبو داود وغيرهما عن أبي أمامة قال: قال رسول الله : { أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه }.
فاجتهد حفظك الله في ذلك، وتحلّى باللين والرفق والحلم والأناة، وكن طيب القول طلق الوجه، واصبر على ما يصيبك من أذى وتقصير طمعاً في رضوان الله وجنانه..
العج واثج
فقد روى الترمذي وابن ماجة أن رسول الله سُئل أي الحج أفضل؟ فقال: { العج والثج }.
والعج: هو رفع الصوت بالتلبية، والثج: هو نحر البدن وإهراق الدم.
قال تعالى: لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ [الحج:37].
فهي من العبادات التي يحبها الله تعالى ويرضاها، وهي من شعائر الحج، روى أحمد والنسائي وابن ماجة أن رسول الله قال: { جاءني جبريل فقال: يا محمد مر أصحابك فليرفعوا أصواتهم بالتلبية فإنها من شعار الحج }.
وعن سهل بن سعد الساعدي قال: قال رسول الله : { ما من ملبٌ يلبي إلاّ لبى ما عن يمينه وشماله من حجر أو شجر أو مدر حتى تنقطع الأرض من هاهنا هاهنا } [رواه الترمذي وابن ماجة].
تعظيم شعار الله، وإظهار الذل والافتقار إليه
فينبغي لك أن تستشعر أنك بإحرامك وتلبيتك ومبيتك بمنى وإفاضتك من عرفات ونفرتك من مزدلفة ورميك للجمار.. إنما تؤدي عبادات تتقرب بها إلى الله تعالى.. فعظمها في نفسك، وأحيها بالذكر والافتقار إلى الله..
كان أنس بن مالك إذا أحرم لم يتكلم في شيء من أمر الدنيا حتى يتحلل من إحرامه..
ولما أحرم الحسن بن علي واستوت به راحلته اصفرّ لونه وارتعد، ولم يستطع أن يلبي، فقيل له: مالك؟ فقال: ( أخشى أن يقول لي لا لبيك ولا سعديك ).
واعلم سددك الله أن تعظيم شعائر الله دليل التقوى والصلاح، قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].
أخي الحاج..
هذه جملة من صفات الحج المبرور، تأملها واجتهد في تحصيلها لعلك تفوز بثوابها..
فإذا ما قضيت نسكك، وتم لك حجك؛ فأكثر من ذكر الله واستغفاره والتوبة إليه، فهي وصية الله تعالى لك حيث قال: فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً [البقرة:200].
وقد كان رسول الله إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول: { لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده } [ متفق عليه].
واعلم تقبل الله منك أن لصلاح العمل آيات، ولقبوله علامات.. قال بعض السلف: ( علامة بر الحج أن يزداد بعده خيراً، ولا يعاود المعاصي بعد رجوعه ).
وقال الحسن البصري رحمه الله: ( الحج المبرور أن يرجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة ).
أخي الحاج..
تقبل الله حجك، ورفع في الجنان قدرك، وأعادك إلى أهلك سالماً معافاً من الذنوب كيوم ولدتك أمك.. آمين. |