(2257 كلمة)
الحمد لله، نحمد ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد:
ففضل الله تعالى على عبادة المؤمنين ليس يحصيه العد، ولا يحده الحد بل هو عام شامل مطلق. خلقهم فأحسن خلقهم، وصورهم فأحسن صورهم، ورزقهم وأعطاهم، ثم وفقهم للحسنى فهداهم وفتح لهم باب الرجعة إن ضلوا الطريق أو أزغهم الشيطان. ولا يزال الباب مفتوحاً ما دامت الشمس تطلع من مشرقها، ما لم يغرغر العبد بالموت.
والعبد يحتاج التوبة في كل وقت، لأنه يخطئ في كل وقت، وقد يشعر بخطئه وقد لا يشعر، فكان لابد أن يلازم التوبة في ساعاته وأيامه.
التوبة عبادة
التوبة عبادة وقربة قبل أن تكون استيعاباً ورجعة بل هي من أعظم العبادات وأجلها، إذا بها تنال محبة الله تعالى كما قال سبحانه: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222 ].
قال بعض العلماء: " دعوت الله سبحانه وتعالى ثلاثين سنة أن يرزقني توبة نصوحاً، ثم تعجبت من نفسي وقلت: سبحان الله حاجة دعوت الله فيها ثلاثين سنة فما قضيت إلى الآن، فرأيت فيما يرى النائم قائلاً يقول لي: أتعجب من ذلك؟ أتدري ماذا تسأل الله تعالى؟ إنّما تسأله سبحانه أن يحبك، أما سمعت قول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222 ] ". [ غذاء الألباب للسفاريني 2 / 590 ].
تعريف التوبة النصوح
التوبة النصوح هي: ترك الذنب، وعدم العودة إليه عرفها بذلك عمر رذي الله عنه [ مستدرك الحاكم 2 / 459 ]. وبنحو هذا التعريف عرفها ابن مسعود والحسن ومجاهد والضاحك - رحمهم الله تعالى ورضي عنهم -. [ انظر: تفسير الطبري 28 / 107 ومدرج السالكين 1 / 309 والآداب الشرعية لابن مفلح 1 / 86 ].
من آثار التوبة
1 – مغفرة الذنوب: المغفرة تحصل للعبد إذا حقق التوبة كما قال تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82 ].
2 – أنّ الفلاح معلق بالتوبة: كما في قول الله تعالى: فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ [القصص:67].
3 – قلب السيئات إلى حسنات: من أعظم أثر التوبة تبديل السيئات إلى حسنات، فتنقلب سيئات العاصي بعد التوبة النصوح إلى حسنات وتبيض صحائفه بعد أن كانت سوداء كما في قول الله تعالى: إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً [الفرقان:70 ]، وعن أبي الطويل شطب الممدود رصي الله عنه: أنه أتى إلى النبي فقال: أرأيت من عمل الذنوب كلها، ولم يترك منها شيئاً وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا أتاها، فهل لذلك من توبة؟ قال : «فهل أسلمت؟» قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال صلى الله عليه سلم: «تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك خيرات كلهن» قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال : «نعم»، قال الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى. [ أخرجه البزار والطبراني بإسناد جيد ].
العلاقة بين التوبة والإسلام
التوبة تشمل الإسلام كله، وهي غاية المؤمن في جميع أحواله وأوقاته، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: " التوبة هي دين الإسلام، والدين كله داخل في مسمي التوبة. بهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله، فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين، وإنما يحب الله من فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه. فإذا التوبة هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً، ويدخل في مسماها الإسلام والإيمان والإحسان وتتناول جميع المقامات، ولذها كانت غاية كل مؤمن، وبداية الأمر وخاتمته، وهي الغاية التي وجد لأجلها الخلق، والأمر بالتوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها. وأكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها فضلاً عن القيام بها علماً وعملاً وحالاً. ولم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواص الخلق لديه ولولا أن التوبة اسم جامع لشرائع الإسلام، وحقائق الإيمان، لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرح العظيم. فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيلها وآثارها ". ا هـ [ مدراج السالكين 1 / 306 – 307 ].
قبول التوبة في أي وقت
من رحمة الله تعالى أنه يقبل توبة عبده في أي وقت من ليل أو نهار، ويفرح بها أشد الفرح مع أنه تعالى لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين، روى أبو موسى الأشعري عن النبي قال: «إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها» [ أخرجه مسلم 2758 ].
رأفة النبي بقومه
من رأفة النبي بقومه، ورحمته لهم: أن اختار لهم المهلة على العذاب، رغم ما لحقه منهم من صدود وأذى شديد، وما ذالك إلا رجاء أن يتوبوا، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت قريش للنبي : ادع ربك يجعل لنا الصفا ذهباً فإن أصبح ذهباً اتبعناك. فدعا ربه فأتاه جبريل عليه السلام فقال: «إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: إن شئت أصبح لهم الصفا ذهباً فمن كفر منهم عذبته عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين، وإن شئت فتحت لهم باب التوبة والرحمة، قال: بل باب التوبة والرحمة» [ أخرجه أحمد 1 / 345 والحاكم 4 / 240 وإسناده جيد ].
ظن خاطئ !!
يظن كثير من الناس أن التوبة لا تكون إلا للمسفرين على أنفسهم في العصيان، وأن المحافظ على الفرائض المجتنب للنواهي لا يحتاج إلى التوبة. وهذا غرور وظن سيء، إذا التوبة مطلوبة من العبد ولو كان أعبد الناس وأزهدهم واتقاهم وأروعهم وأعلمهم. وكلما كان العبد أعلم بربه كان أكثر توبة وإنابة واستغفاراً. هذا رسول الله ، أعلم الخلق بربه، وأتقاهم له، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو مع ذلك أكثر الناس توبة يقول عليه الصلاة والسلام: «والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة» [ أخرجه البخاري / 6307 ].
وقال ابن عمر رضي الله عنهما: إن كنا لنعد لرسول الله في المجلس الواحد مائة مرة من قبل أن يقوم يقول: «رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم» [ أخرجه أبو داود / 1516 والترمذي. 3430 وصححه ].
لماذا يؤخر الناس التوبة؟ !!
أكثر شيء يرد الناس عن التوبة أو يجعلهم يسوفون فيها: طول الأمل في الدنيا، وما يتقلبون فيه من نعيم. وإلا فإن المصائب إذا نزلت بالعبد أسرع للتوبة، وإذا نزل بلاء عام على العباد رأيت كثرة التائبين، فحذار - أيها القراء - أن ينسينا طول الأمل المبادرة إلى التوبة.
استقبال رمضان بالتوبة
من نعمة الله تعالى على عباده أن كرر لهم مواسم الخيرات، ونوع فيها الطاعات. مواسم تعود عليهم كل عام، حينما يستغرق العبد في اللهو بالولد والمال، وينسى ربه، ويخل بشعائر دينه ويجتره الشيطان إليه، فيمارس أنواعاً من المعاصي في غفلته وسكره، يأتي رمضان فينبهه من غفلته، ويقوده إلى ربه ويدعوه إلى تجديد توبته. فرمضان جدير بأن تجدد التوبة فيه، إذ فيه تكثر الحسنات وتمحى السيئات، وتقلل العثرات وترفع الدرجات، لمن كان أهلاً لذلك، يعرف رمضان حق المعرفة، ويؤدي فيه حق الله بإخلاص واجتهاد.
وإذا كان العبد مطلوباً منه أن يتوب في كل وقت وحين، فالتوبة في رمضان تتأكد، لأنه شهر عظيم، تتنزل فيه رحمات رب العالمين، لكنه يحتاج من العباد إلى إقبال على الله تعالى، فأين هم الذين أسرفوا على أنفسهم؟ وقضوا الأيام والليالي في العصيان؟ وقابلوا نعم المولى بالكفران؟ وحاربوا الله في أرضه؟ ونابذوه في ملكه؟ أين هم فليتوبوا وهل منا من يسلم من الخطأ؟ ويبرأ من المعصية؟ !!
كلا بل نحن الخطاؤون العاصون، لكن نرجوا أن نكون من التوابين، ف«خير الخطائين التوابون» كما أخبر بذلك رسول الله [ رواه أحمد 3 / 198 وابن ماجه / 4251 ].
إن باب التوبة مفتوح فأين التوابون؟
ودين الإسلام ليس فيه واسطة بين العبد وربه، كما هو الحال في دنيات أخرى، يقرر فيها الحبر أو الراهب أن توبة العبد لا تقبل حتى يدفع إليه مالاً !!
يحكم بقبول التوبة عندهم عبيد مثلهم لا يملكون ضراً ولا نفعاً، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويقودونهم إلى دار السعير.
أما التوبة في الإسلام فهي بالمجان، لا يمن عليك راهب أو حبر أن هداك، فالفضل للهادي سبحانه وتعالى. في الإسلام كل عبد يجد ما عمل، ولا يحمل أحد إلا وزره ولا يتحمل العباد خطيئة أبيهم آدم ولا غيره كما هو الحال في ديانات أخرى، لفت انتباه بعض أفرادها قول الله تعالى:
وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [ فاطر: 18 ] فقادت هذه الآية بعضهم في الإسلام، لأنه كان ثابتاً في دينهم أنهم مهما عملوا صالحاً فعليهم وزر الخطيئة الأولى، لكن رسول الله ألغى تلك الخرافات وجاء بالدين الصحيح من عند الله تعالى.
لا يأس في الإسلام
ليس في الإسلام يأس من رحمة الله تعالى مهما عمل العبد من المعاصي والفجور، بل مهما اقترف من الشرك والكفر، فإنه إذا تاب وآمن نال رحمة الله تعالى، فالتوبة تهدم ما قبلها، والإسلام يجب ما قبله.
واليأس والقنوط سلاح لإبليس يمضيه في المعاصي حتي يستمر عصيانه، لكن الله تعالى رحيم رؤوف بعباده يناديهم دائماً مهما أسرفوا على أنفسهم قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53 ]، واليأس من صفات الكافرين إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف:87].
فرح الله تعالى بتوبة عباده
من عظيم رحمه الله تعالى بعباده، وتفضيله عليهم أنه يفرح فرحاً شديداً بتوبة أحدهم مع أنهم إن أطاعوه لم ينفعوه شيئاً، وإن عصوه لم يضروه شيئاً. عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله : «كيف تقولون بفرح رجل انفلتت منه راحلته تجر زمامها بأرض قفر ليس بها طعام ولا شراب وعليها له طعام وشراب، فطلبها حتى شق عليه، ثم مرت بجذل شجرة فتعلق زمامها، فوجدها معلقة به؟».
قلنا: شديداً يا رسول الله، فقال رسول الله : «أما والله، لله أشد فرحاً بتوبة عبده من الرجل براحلته» [ أخرجه مسلم / 2746 ].
سبحان الله !! يفرح الله بتوبة عباده وهو غني عنهم وهم فقراء إليه وهو قادر فوقهم وهم عاجزون تحته، يناديهم بالتوبة ويعلق فلاحهم عليها، فهل يأبي ذلك إلا الخاسرون وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
ومهما كرر العبد الذنوب، فإن عليه أن يتوب، ويصدق في توبته مع الله تعالى حتى لا يكون كذاباً. عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «أذنب عبد ذنباً قال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، علم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك» [ رواه البخاري / 7507 ومسلم / 2785 ].
قال المنذري: " معناه والله أعلم: أنه ما دام كلما أذنب ذنباً استغفر وتاب منه ولم يعد إليه بدليل قوله ثم أصاب ذنباً آخر فليفعل إذا كان هذا دأبه ما شاء، لأنه كلما أذنب كانت توبته واستغفاره كفارة لذنبه فلا يضره، لأنه يذنب الذنب فيستغفر منه بلسانه من غير إقلاع ثم يعاوده فإذا هو توبة الكذابين ". ا هـ. [ الترغيب 4 / 91 ].
كيف نتوب؟ !
لا تصح توبة العبد حتى يقلع عن الذنب، ويعزم عزماً صادقاً على أنه لا يعود إليه أبداً. أما إن كان يستغفر بلسانه، وقلبه يتحرك لفعل المعصية، ونفسه تراوده إليها، فتلك توبة من فسد قلبه، ولا تنفعه توبته بلسانه.
وعلامة العزم على عدم مقارفة الذنوب: الندم على ما سلف منها يبكي على ذنوبه، ويندم على ما اقترفت يداه. يندم على مسارعته في المعصية، وتقصيره في الطاعة. قال عمر بن ذر: " كل حزن يبلى إلا حزن التائب على ذنوبه ". [ نزهة العقلاء / 548 ]. وما ذاك إلا لأنه يتخيل قبح ذنوبه، ويتأمل عظمة الله تعالى في خلقه، فيطير قلبه من هول ذلك، ويتساءل: كيف ارتكب القبائح في حق من اتصف بهذه العظمة والجبروت، فيقطعه الندم على ما سلف، ويقوده ذلك إلى المسارعة في الخيرات، واكتساب الحسنات.
وهذا أنس بن النضر يفوته القتال في بدر مع أن النبي لم يخرج للقتال، ولكن القتال حدث بعد ذلك إرادة من الله تعالى، كما قال تعالى: وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَـكِن لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً [الأنفال: 42].
وبعض الصحابة كانوا في المدينة لا يعلمون أن ثمة قتال، ومنهم أنس بن النضر، فيظهر عليه التأثير والندم على عدم حضوره بدراً، فيقول للنبي : " يا رسول الله، غبت عن أول قتال قاتلت فيه المشركين، والله لئن أشهدني قتالهم ليرين ما أفعل ". [ رواه البخاري / 4048 ومسلم / 1903 ].
و هكذا قال، وسجل ندمه على ما فات، فكانت نتيجة هذا الندم: عزم على قتال المشركين بشدة، وتأتي أحد، فتصدق ندمه حيث كانت النتيجة أن وجد في جسمه بضع وثمانون من بين ضربة وطعنة ورمية، وما عرفته أخته إلا ببنانه وذلك بسبب إقدامه وتفانيه في حرب المشركين، وفيه وفي أمثاله نزل قول الله تعالى: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً [الأحزاب:23].
نعم صدقوا والله في توبتهم وفي ندمهم، لم يتكلموا كثيرا، لكنهم صدقوا مقالهم بأفعالهم. ونحن قد نتكلم ونعزم على التوبة، ويظهر منا ندم ما على الذنوب، لكننا قد نضعف أمام إغراءات الشيطان في هذا الشهر المعظم وربما أعجبنا السهر إلى السحر في مجالس اللهو والغفلة والحرام، ونقول: أننا نتوب، فهل هذه توبة.
قال شقيق البلخي: " علامة التوبة: البكاء على ما سلف، والخوف من الوقوع في الذنب، وهجران إخوان السوء، وملازمة الأخيار ". [ نزهة الفضلاء / 711 ].
فهل توجد هذه العلامات في توبتنا؟، أم مازلنا لا نخاف من الذنب، ولا نهجر إخوان السوء، بل نهجر الأخيار، ثم نقول بعد ذلك: إننا نتوب !! أي كذب هذا؟ أنكذب على الله تعالى وهو يرانا؟، سبحان الله ما أعظم ذنبنا ! وما أقل شكرنا، فنسألك اللّهم أن تعفو عنا، وأن تردنا إليك رداً جميلاً، وأن تصلح ما فسد من قلوبنا إنك سميع مجيب،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. |