(1436 كلمة)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وسلم أجمعين أما بعد.
فهذه وريقات قليلة كتبها أخ محب لك.. يرى في وجهك نور الإسلام ويلمح بين جنبيك محبة هذا الدين.. وقد جعلها لك في عدة وقفات آملاً أن تكون لك في كل وقفة قراءة وتأمل لتنهل من نهر عذب رقراق من كلام الله عز وجل وكلام رسوله :
الوقفة الأولى:
احمد الله عز وجل أن جعلك مسلماً وهداك لهذا الدين، فكم من كافر في هذه الدنيا مصيره العذاب والخزي في الدنيا والآخرة. ونعمة الإسلام نعمة عظيمة امتن الله بها على عباده، يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات:17]. فاللهم لك الحمد على نعمك وآلائك التي لا تحصى ولا تعد.
الوقفة الثانية:
أنت في بلد تهوي إليه قلوب المسلمين وتتطلع إلى زيارته بشوق ولهفة.. بعض المسلمين يحرم نفسه لذة الأكل ويقتطع من قيمة وجبته اليومية لمدة سنوات حتى يجمع مبلغاً يسيراً يعينه على السفر إلى الحج حتى تطأ قدمه أرض هذه البلاد المباركة.. فإذا وطئت أرض هذه البلاد بعد سنوات من الترقب كنت أنت أول من يراه.. فكيف أنت في عينيه من قبل؟!
أنت في عينيه حفيد الصحابة والتابعين من نشأ بهذه البلاد بجوار الكعبة والمشاعر المقدسة ولو أمهلته لقبّل رأسك محبةً لأولئك وأحفادهم. أرأيت أين أنت في عيون الآخرين؟! أنت في مكان عليّ أنزلك الله إياه لينظر كيف تصنع، وماذا أنت فاعل؟
الوقفة الثالثة:
بذلت هذه الدولة ـ وفقها الله ـ وأنفقت بسخاء لتوفير الأمن والطمأنينة، وسهلت الطريق، وأقامت الأنفاق، وأنشأت مشاريع المياه، وغير ذلك مما تعلمه أنت قبلي ويعلمه القاصي والداني.. كل ذلك خدمة لمن قدم لهذه الديار.. فأكرمتهم قدر ما تستطيع وأزالت عن كاهلهم العناء والمشقة.. وبقيت أنت إشراقة متلألأة في وجه هذه الإنجازات.. وعلماً فوق تلك الطموحات.. فأنت محط الآمال وأنت نظر العين.. فماذا سوف تقدم لأولئك القادمين إلى رحاب الله ملبين النداء طائعين متذللين قطعوا الفيافي والقفار والسهول والبحار وعانوا من المشقة والأسفار.. ها هم أمامك صبي صغير، وشاب فرح، وعجوز هرم أنهكته السنون فاحدودب ظهره وارتعشت أطرافه وثقل كاهله، فأرهم من نفسك خيراً.
كان كفار قريش يكرمون وفادة الحجيج ويحسنون ضيافتهم وهم كفار، والآن ترحب جميع الدول بزائريها طمعاً في الربح المادي والسمعة الحسنة.. هذا وهم بلاد فساد وبؤرة استغلال.. فهذا مرشد يدل على الآثار وآخر قائد طريق.. فلا يكن ـ أيها الحبيب ـ غير المسلم خيراً منك وأحسن خلقاً وأوسع صدراً ولا يكن من همّه المادة أحسن تعاملاً.. فأنت تبحث عن الاخرة أما الدنيا فقد أتت إليك بحذافيرها وقد جمع الله لك من أطرافها ونالك منها الشيء الكثير.
وستسألني كيف يكون التعامل في أبهى حلله وأنصع صوره، وماذا تريد منا شباب الحرمين؟! وسوف أجيبك في وجازة وعلى عجالة:
أولاً: عليك بتجريد الإخلاص لله عز وجل فيي كل أعمالك صغيرها وكبيرها وسرها وعلانتيها، قال الله جل وعلا: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [البينة:5] وغيرها من الآيات التي مرت عليك في مراحل دارستك المبكرة فالإخلاص نبراس العمل ومادته ومحركه.
ثانياً: ليهنك الفرح والدوام على استمرار خدمة الحجاج بدون فتور ولا كسل، فأنت تخدم من أتى الله طائعاً عابداً ملبياً.. فأنت تخدم أهل العبادة.. ولا عجب في ذلك فأنت بالأمس كنت تخدم الصوام في رمضان طائعاً مختاراً.. فلا تتأخر عن خدمة الحجاج وتيسير أمورهم فربما تنالك دعوة من أحدهم لا تشقى بعدها أبداً واجعل لك نصيباً من حديث الرسول : { عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله } [رواه الترمذي].
ثالثاً: أنت في مكان فاضل وأشهر فاضلة، فقد جمع الله لك فضل الزمان وفضل المكان وفضل المخدوم.. إنها فرصة لتضاعف حسناتك وترفع درجاتك.. ألست ترجو بالصلاة والزكاة ذلك؟! ها أنت في ميدان من ميادين العبادة إذا أخلصت ذلك لله عز وجل.. والأدلة الشرعية تدل على أن الحسنات تضاعف في الزمان الفاضل والمكان الفاضل.. وكذلك يَعظُم إثمها فالله الله في تلك الأماكن والأيام، وابتعد عما يغضب الله عز وجل، فأنت في مكان يعظم فيه الإثم، وقد توعّد الله عز وجل من يرد فيه الفساد بعذاب أليم فقال تعالى: وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الحج:25]. قال ابن كثير رحمه الله: ( أي يهم بأمر فظيع من المعاصي الكبار )، وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله قال: { أبغض الناس إلى الله ثلاثة } وذكر منهم { مُلحد في أرض الحرم } [رواه البخاري]، قال ابن حجر في الفتح: ( وظاهر الحديث أن فعل الصغيرة في الحرم أشد من فعل الكبيرة في غيره ) وعن ابن مسعود مرفوعاً: { لو أن رجلاً همّ فيه بإلحاد وهو بعدن أبين، لأذاقه الله عذاباً أليماً } هذا فيمن همّ، فكيف بمن عمل!
رابعاً: كثير من العاملين إذا علم أن هناك كاميرات مراقبة في المكان الذي يعمل به جد واجتهد وثابر وصبر خوفاً من عقاب المسؤلين أو مساءلتهم، ونسى الأخ الحبيب أن الله عز وجل مطلع على الكبير والصغير في الخلوة والجلوة يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر: 19] فعليك استشعار عظم الأمانة والمسؤلية وتقوم بأدائها بما يرضي الله عز وجل أولاً ثم المسؤلين.
خامساً: سنوات وهؤلاء الحجاج يتلهفون لزيارة هذا البلد وأداء مناسك الحج ورؤية أبناء هذه البلاد.. فهل أنت من الأحفاد الصالحين الذين يسر العين رؤيتهم، أم أنت ممن ضيّع حدود الله وفرّط فيها.. ولا أخالك أيها الحبيب وقد علمت مكانتك عند القادمين إلا ذلك الحفيد الذي يرفع الرأس مظهراً وسلوكاً وحسن تعامل.
سادساً: في زحمة العمل وكثرة القادمين يغيب عن الكثير التجمل بالابتسامة التي هي مدخل للقلوب ومفتاح للنفوس وهي فوق ذلك عمل يؤجر عليه المسلم { وتبسمك في وجه أخيك صدقة } فمن أولى من هؤلاء بوجه طليق يزيل عنهم مشقة الطريق وعناء السفر.. فلا تبخل بتلك الابتسامة التي لن تخسر في جعلها علامة على شباب هذه البلاد.. بل احرص عليها واتبعها الخدمة والتودد لكبار السن وإعانتهم وتسهيل أمورهم.. واعطف عليهم وارحم صغيرهم وأعن شيخهم وكبيرهم وليكن لك نصيب من حديث الرسول : { اللهم من ولي أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به } [رواه مسلم].. فاللهم ارفق بنا وتجاوز عن سيئاتنا.
سابعاً: تذكر أيها الحبيب المبارك أن الله حرم الظلم على نفسه وجعله محرماً.. وحرم إيذاء المؤمنين والمؤمنات.. فاحذر أن يزل لسانك بكلمة جارحة، أو يدك بدفع أحد الحجاج، أو بأي نوع من أنواع الإيذاء، وأنت تعلم أن الله حرم إيذاء الحيوان، فكيف بإنسان مسلم أو شيخ كبير طاعن في السن.. وتخيل أن أباك أو أمك يعاملون في دولة أخرى معاملة قاسية وسيئة!!
ثامناً: لا بد أن يكون الصبر لك رداء وكساء ودثاراً فتجمل به واحرص عليه.. فأنت في مكان سوف ترى من القادمين جهلاً وعدم معرفة وتساؤلاً طويلاً.. فاحلم واصبر ولا تغضب ولا تقابل الجهل بالجهل والإساءة بالإساءة.. ولكن عليك بقول الله عز وجل واجعله شعارك في ذلك: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199].
تاسعاً: عوّد لسانك الكلمة الطيبة والدعوة الصادقة.. فالناس تسمع منك الكلمة وتطير بها الركبان.. فهذا دعا لنا وهذا قال كلمة طيبة.. فماذا يضيرك إذا رددت الأدعية التي تفرح النفس.. جزاك الله خيراً.. رفع الله درجتك.. أدخلك الله الجنة.. تقبل الله حجك وغيرها مما تردده على لسانك وتعوده نفسك.. فجزاك الله خيراً أيها الحبيب على هذه الرحمة والرأفة بأمة قدمت قاصدة أداء شعيرة الحج.. ولا تنس أن تبدأهم بتحية الإسلام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
عاشراً: سأغبطك على كثرة تنوع أنواع العبادات في يومك.. فهذا تهديه كلمة طيبة، وآخر تدعو له، وثالث ترشده إلى أين يذهب، ورابع تدله على مكان الفتوى وخامس تحمل له حقيبته، وهكذا تتقلب في أنواع العبادة طوال يومك.. تقبل الله منا ومنك.
الحادي عشر: أنت في هذا المكان تمثل الشاب المسلم حفيد الصحابة والتابعين، وتمثل مجتمع هذه البلاد وتمثل دولة مسلمة طالما تلهف الجميع إلى رؤية شبابها ورجالها.. فعليك بالحرص على المظهر الإسلامي في زيك وملبسك وحديثك وتعاملك.. واجعل الفرح موصولاً لهؤلاء الذين قدموا ليروا شباب هذه البلاد.. ونعم هم خير شباب، وخير خلف لخير سلف.. ولا تكن ذلك الآخر الذي لم يرفع لأمته رأساً.. همه السباب والشتام وتضييع العمل.. فأثر المعاصي على وجهه، وشؤم المعصية يحيط به.. فأنت تمثل ديناً ودولة وشباباً.. أرأيت عظم المسؤلية.
أربأ بك أيها الحبيب أن يكون المرشد السياحي أو موظف الجوازات في دولة أخرى خيراً منك تعاملاً وأحسن خلقاً وأكثر بشاشة.
أخي الحبيب.. لتهنك أمة الإسلام فهي قادمة إليك لأداء شعيرة عظيمة في أشهر عظيمة ومكان عظيم.. جعل الله لك من الخير أتمه وأكمله وبوأك ظلال الجنة.
يا ابن الإسلام:
قبل أن تنتهي من رسالتي هذه انظر حولك.. ها هم وفود الرحمن قد أقبلوا من كل حدب وصوب.. ما نؤمله منك أكثر مما كتب، وما نرجوه أكبر.. فعليك بهذه الفرصة التي بين يديك، فجدد الإخلاص والنية لله عز وجل.. واسع إلى عملك، وكن ذلك الحفيد الذي تقر به الأعين وتهنأ به النفوس.. ولا تدع هذه المانسبة العظيمة تفوت عليك فربما في العام القادم لن ترى وجهاً لحاج.. فكم من زملائك في العام الماضي لم نرهم هذا العام قد غيبهم الموت أو أبعدهم المرض أو أخذتهم الدنيا في دروب أخرى.
فشمّر عن ساعد العمل واتكل على الله وابدأ باسم الله.
أصلح الله نيتك وأقرّ بك أعين المسلمين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. |