لقد قضى الله وقدر أن يكون الصراع بين الحق والباطل ظاهراً متلازم إلى قيام الساعة ما دامت الدنيا، فمهما صال الباطل وانتفش وكشّر عن أنيابه وانتعش، إلا أنه أقرب للنهاية والزوال: وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81].
والناظر في هذا الزمن يرى أن الصراع بلغ ذروته ومنتهاه، واستوى على أشده، حتى أصبح الكفر ملة واحدة، ضد الإسلام والمسلمين ودعاته الصادقين، فسيم المسلمون ألوان العذاب، وعاث الأعداء في الأرض الفساد، وبلغ المسلمون من الذلة والمهانة واستخفاف أعدائهم بهم مبلغاً عظيماً، حتى خيّل لبعضهم أن الحق مع قوته وحقيقته لن ينتصر، ودب اليأس في صفوف الآخرين وقلوبهم إلا ما رحم ربي، وأصبح المسلم في هذا الزمن يردد ما كان يردده المسلم قبله في زمن النبوة ونزول الرسالة قائلاً: متى نصر الله؟ إن نصر الله واقع، وكلمته قائمة، فمهما رصد الباطل من قوى الحديد والنار، والدعاية والافتراء، والحرب والمقاومة، لخنق الحق وإيقافه، وزهقه من عالم الوجود، إلا أن الوعد الذي وعد الله به عباده لا يُخلف، لكنها السنن تجري جريان الكواكب والنجوم، فمن منا يتعامل مع هذه الحقيقة؟
أخي المسلم:
لا شك أن أعز مقاصدك وأشهى مطالبك في هذه الحياة، أن ترى دينك منتصراً، وكتابك ظاهراً، ورايتك خفاقة عالية، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل تتحق هذه الأهداف، وتلك المقاصد بالدعاوى والأمنيات، ونحن لم نقدم لدين الله نصراً؟ أليس الله يقول: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ [محمد:7]، فمتى نصرنا الله حتى ينصرنا..؟
أسباب تحقيق النصر
1 - إقامة توحيد الله عز وجل وشرعه في الأرض والحكم به والتحاكم إليه وترك ما سوى ذلك من القوانين الوضعية والأحكام البشرية وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [النور:55].
2 - إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والمحافظة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:41].
3 - الصدق مع الله عز وجل والتوكل عليه والالتجاء إليه والاعتصام به والخوف منه وحده.. الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173].
4 - التسلح بسلاح الإيمان والتوبة إلى الله والرجوع إليه ويقظة المسلمين مما هم فيه من الغفلة والضياع وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
5 - توحيد الصفوف وإصلاح الآخرين ورأب الصدع وتأليف القلوب وجمع الكلمة حتى لا ينخر في سفينة الأمة من يغرقها { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً } [رواه البخاري:481].
6 - التربية الجادة للأمة بإحياء السلوك الإسلامي فيها والقضاء على السيئ منها.. وَأَنَّ هَـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ [الأنعام:153].
7 - إحياء روح الجهاد في سبيل الله وإعداد النفوس لذلك انْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ [التوبة:41].
8 - تقوية الصلة بالله تعالى والتوجه إليه في السراء والضراء والمحنة والمنحة فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الذاريات:50].
9 - تحقيق مفهوم الولاء لله عز وجل ولمن يحبهم سبحانه وتعالى من الأنبياء والصالحين وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ [المائدة:56].
10 - البراءة من كل ما يُعبد من دون الله تعالى والكفر به ومعاداته ... إِنَّنِي بَرَاء مِّمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي [الزخرف: 27،26].
11 - التضحية بالغالي والنفيس، والإنفاق في سبيل الله مع تخليص النفس من الشح وحب الدنيا والركون إليها وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن:16].
12 - إرهاب العدو بإعداد العدة الجسمية والعقلية والعسكرية وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ [الأنفال:60].
13 - طلب الشهادة في سبيل الله، والتطلع إليها بشتى الوسائل مع الصدق في النية { من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه } [رواه مسلم:1909].
14 - الإلحاح على الله عز وجل بالدعاء بتثبيت قلوب المؤمنين على هذا الدين والانتصار على الكافرين وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر:60].
عوائق في طريق النصر
1- شيوع الشرك والبدع بأنواعها وانتشار الفواحش والمنكرات، ومبارزة الله بالمعاصي بشكل ينذر بالعقوبة والخطر وَإِن يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [التوبة:74].
2- ظهور الفسق والفساد وطغيان الترف في البر والبحر وعلى مستوى الرجل والمرأة والمجتمع والدول ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41].
3- شهوة الدنيا والركون إليها والتكالب على حطامها واللهث الشديد وراءها { إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم } [رواه أبو داود:3462].
4- تحقير النفس والرضى بالدون والحط من قدرها وهمَّتها وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [آل عمران:139].
5- عدم التربية الجادة على طلب العلم الشرعي من مصادره الصحيحة وأصوله العميقة وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [البقرة:282].
6- فقد الهوية والتبعية المذمومة والإعجاب بنُظم الغرب وتقاليده إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:11].
7- الاستجداء بالكافرين وموالاتهم وطلب النصرة منهم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [المائدة:51].
8- إغظاء الطرف عن موالاة المؤمنين في حال محنتهم وحاجتهم للنصرة { ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً في موضع تنتهك فيه حرمته، وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله } [رواه أبو داود:4240].
9- الفرقة المشينة في صفوف الأمة مع وجود التشاحن والتباغض والاختلاف وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ [الأنفال:46].
10- عدم إدراك بعض المسلمين لطبيعة المعركة مع اليهود والنصارى، وأنها معركة عقيدة ودين وولاء وبراء ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ [محمد:11].
11- الانخداع ببعض الاستراتيجيات الغربية والمساهمة في تنفيذها كالسلام والتطبيع والتعايش السلمي والوحدة الإنسانية والنظام العالمي الجديد وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ [محمد:38].
|