مرحبا بك في موقع كلمات
  الأحد 3 ربيع الثاني 1446 هـ
 القـائمـــــة الرئيسيـــــة
 أقســـــام المطويـــــات
 شـــــــارك معنـــــــــا

اجعل موقعنا صفحتك الرئيسية    أضف موقعنا للمفضلة    قالب xml لعرض جديد المطويات لأصحاب المواقع.

المتصفحين: 15

  المقـــال المختار..
  28 فبراير  أدب الرحلات البرية
المصدر/المؤلف: خالد بن سعود البليهد
أرسلها لصديق أرسلها لصديق
طباعة المقال عرض للطباعة
عدد القرّاء عدد القرّاء: 17537

إنَّ الخروج للرَّحلات البريَّة لغرض النزهة مطلب تحتاجه النَّفس، فالنَّفس تحتاج أحياناً إلى التَّرويح واللَّهو المباح لتدفع به الملل والسَّآمة وعناء الإلتزامات ومشقّة العبادة وضغوط الحياة وهموم المعيشة، والأصل في ذلك الحل والإباحة فالرحلات أمر جائز إلا إذا اقترن بها فعل محظور أو أشغلت عن ترك واجب أو تضييع حق فتحرم لذلك.

وروي في سنن أبي داود { أن النبي كان يبدو إلى التلاع } أي يخرج إلى البادية، وقد كان بعض الصحابة يحب أن يخرج إلى البادية، وقد كان بعض العلماء يخرج إلى الضياع والبساتين للترويح.

والرحلات لها فوائد عظيمة:

1- ترويح النفس وإجمامها وإزالة ما علق بها من صدأ.

2- التعرف على الأماكن ونواحي البلاد.

3- الكشف عن أخلاق الرجال ومعرفة طبائعهم.

4- اكتساب مهارات جديدة وتنمية القدرات.

5- تقوية أواصر الرحم وروابط الإخوة بالخروج معهم.

6- تربية الأولاد على الخشونة وقوة الشخصية وحسن التصرف والقدرة على اتخاذ القرار المناسب.

ومن أعظم ما يستفيده المسلم من خلال الرحلات البريَّة التَّفكر في مخلوقات الله العجيبة والوقوف على مشاهد كونية تتجلَّى فيها كمال قدرة الله وسعة علمه وإتقان صنعه ويشعر فيها المؤمن بالرَّهبة والخشوع والإجلال، كالنَّظر إلى شروق الشمس وغروبها وطلوع القمر ونزول المطر وزهور الرَّبيع ونباتها، قال الله تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ومن ذلك التأمل في عظم خلق الإبل وسلوكها وطريقة سيرها وأحوالها وصفاتها الفريدة وتآلفها وانقيادها للإنسان وقد قال الله تعالى: أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ . ومما يحسن فعله في الرحلات إقامة مجالس الأدب التي تلقى فيها القصائد المشتملة على الحكم والنصائح، وتروى فيها القصص والأنساب وأيام العرب التي تحيي في النفوس أخلاق العرب وشمائلهم. وينبغي على الشباب والصغار أن يحرصوا على مجالسة الشيوخ وينهلوا من حكمتهم وخبرتهم في الحياة وتراثهم ومعرفتهم للأمور وتاريخ الأجداد. وللرحلات البرية آداب منها ما هو واجب ومنها ما هو مستحب:

1- الحرص على رفقة أهل الصلاح الذين يراعون حدود الله ويعظمون حرماته، وإذا ابتلي بأقارب مفرطين نظر في الأصلح وقارن بين المفاسد والمصالح في الخروج معهم، وإن رافقهم كان له أثر فيهم.

2- المحافظة على أذكار الصباح والمساء، ونزول المنزل، وقضاء الحاجة ونزول المطر وهبوب الريح وصعود الجبال ونزول الأودية قال رسول الله : { من نزل منزلاً فقال أعوذ بكلمات الله التامات من شرّ ما خلق لم يضرّه شيء حتى يرتحل من منزله ذلك } [رواه مسلم].

3- المداومة على إقامة الصلوات في وقتها قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً ولا يجوز تأخير صلاة النهار إلى الليل ولا صلاة الليل إلى النهار، وإن كانت الرحلة مسافة قصر ثمانين كيلا قصرت الصلاة وإن كانت دون ذلك لم تقصر الصلاة، ويجوز لهم الجمع والأفضل لهم عدم الجمع حال إقامتهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كقلة الماء أو شدة الريح ونحو ذلك.

4- إن كانت الرحلة مسافة قصر فلا جمعة عليهم وتسقط عنهم ولا يلزمهم قصد القرى والهجر لأداء الجمعة وقد أجمع الفقهاء على ذلك، وإن كانوا دون ذلك تلزمهم الجمعة إذا كانوا قريبين من البلد وإن كانوا بعيدين لم تلزمهم وصلوا ظهرا.

5- المحافظة على الطَّهارة الشَّرعية، وقد ورد فضل عظيم للوضوء حال المشقة من برد وغيره قال رسول الله : { ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ } قالوا: بلى يا رسول الله، قال: { إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذالكم الرابط فذالكم الرباط } [رواه مسلم]، ويجب التطهر بالماء إذا دخل وقت الصلاة قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ، ولا يحل التيمم بالتراب مع وجود الماء قال تعالى: فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ ، وإنما يباح التيمم إذا عدم الماء أو عجز عن استعماله أو كان مريضا يتضرر بذلك، ويجب البحث عن الماء إذا دخل الوقت في المكان الذي نزل فيه أو قريباً منه ولا يلزمه إحضاره من مكان بعيد ولو تيقن وجوده كمسافة عشر كيلات ونحوها، ومن الناس من يتساهل في هذا ومنهم من يشدد والسنة التوسط في ذلك.

6- يجب على من أجنب الإغتسال لقوله تعالى: وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ ، وإذا فقد الماء أو خاف ضرراً على بدنه لشدة البرد أو شق عليه ذلك جاز له التيمم بنية رفع الحدث الأكبر، أما إذا كان ثمة مكان مهيأ للإغتسال ويجد ما يسخن به الماء فلا يجوز له ترك الإغتسال والانتقال إلى التيمم، والناس طرفان في ذلك وخير الأمور أوسطها.

7- من شروط صحة الصلاة إستقبال القبلة قال تعالى: فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ ، فإذا دخل الوقت وجب عليهم الإجتهاد في تعيين القبلة عن طريق السؤال أو الإستدلال بالنجوم والشمس أو الإعتماد على الوسائل الحديثة، فإذا غلب على ظنهم جهة صلوا إليها واستمروا على ذلك في جميع الصلوات إلا إذا ظهر لهم اجتهاد آخر، وإذا تبين لهم بعد ذلك خطأ في اجتهادهم لم يلزمهم الإعادة، والمعتبر في تعيين القبلة للبعيد الجهة إلى مكة قال رسول الله : { ما بين المشرق والمغرب قبلة } [رواه الترمذي]، ولا يضر الإنحراف اليسير يمنة أو يسرة مادام مستقبلاً القبلة بوجهه، وكلما اجتهد في ذلك كان أحسن ولا ينبغي التشديد في هذا.

8- يشرع لهم المسح على الجوارب ( الشراب ) روى المغيرة بن شعبة { أن النبي توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين } [رواه مسلم]. وإذا كانت رحلتهم أقل من ثمانين كيلاً مسحوا يوماً وليلة وإذا كانت أكثر من ذلك مسحوا ثلاثة أيام بلياليها كما وقت النبي للمقيم والمسافر، ويجوز المسح على الخُف ( الجزمة أو الكندرة ) من جلد وغيره إذا كان ساتراً للقدم ويغطي الكعبين، أما إذا كان قصيراً أو لا يستر القدم فلا يجوز المسح عليه، وإذا ابتدأ المسح على الجزمة تعلق الحكم به ولم يجز إكماله على الشراب إلا أن يبتدأ المسح من جديد على الشراب وكذلك العكس، ولا تنتقض الطهارة بخلع الممسوح عليه من شراب وغيره على الصحيح.

9- الإقتصاد في استعمال الماء وعدم الإسراف فيه وعن سعد قال: ( مرّ عليّ رسول الله وأنا أتوضأ فقال: { لا تسرف }. قلت: يا رسول الله أفي الماء إسراف؟ قال: { نعم، وإن كنت على نهر جار } ) [رواه ابن ماجه]. وقد ذم الله ذلك، قال تعالى: إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ، ومما يعين على حفظ الماء إتخاذ الأدوات التي ترشد الماء وعدم ترك الصبيان يعبثون به، ومما يؤسف له إفراط بعض الكشاته في استعماله أو تضييعه اغتراراً بالرخاء والترف وقد كان الناس إلى وقت قريب يجدون مشقة في جلبه واستخراجه.

10- ينبغي الحرص على نظافة المكان الذي ينزلون فيه في وضع مكان مهيأ لجمع القمامة ثم يتخلصون منها آخر الرحلة بدفنها وحرقها ولا يتركونها تفسد الأرض وتأكل منها الدواب مما يؤدي إلى هلاكها، وكذلك ينبغي لمن قصد الخلاء وليس له مكان خاص لذلك أن يتنحى ويحفر حفرة ثم يقضي حاجته فيها ويدفنها ويكون ذلك بعيداً عن مرافق النَّاس، وقد جاءت الشَّريعة بحفظ مرافق المسلمين ورعاية النَّظافة في الأماكن العامة قال رسول الله : { اتقوا اللاعنين } قالوا: من اللاعنان يا رسول الله، قال: { الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم } [رواه مسلم].

11- حفظ البيئة وصيانتها فلا يتلف الإنسان الشجر ولا العشب ولا يفسد مراعي المسلمين وحماهم، وإذا أراد الإستدفاء وشبة النار أخذ من الحطب اليابس ما يكفيه لحاجته ولا يتعرض للحطب الرطب ولا يقتلع شجرة من أصلها، وقد قال رسول الله : { لا ضرر ولا ضرار } [رواه ابن ماجه]، وقد أسرف بعض الناس في الاحتطاب وإفساد الرياض والفياض وإيذاء الدواب وكثرة الصيد بلا حاجة وغير ذلك مما يدل على قلة الفقه وضعف الأدب الشرعي.

12- ينبغي على أعضاء الرحلة مراعاة الستر والعفاف فيلزمون النساء بالحجاب الشرعي ويجعلون لهن مكان منعزل عن الرجال بعيد تأخذ المرأة راحتها ويكون لها خصوصية فيه ويتيسر للرجال غض البصر، وتمنع المرأة من كل تصرف يظهر محاسنها ويعرضها للفتنة أمام الأجانب كركوب الدراجة وغيرها، ومما يؤسف له تساهل كثير من المسلمين في هذا الحكم وانتشار الإختلاط والتبرج في رحلاتهم ونزهتهم والله المستعان.

13- وضع البرامج النافعة والمسابقات الثقافية المفيدة، ويراعى في ذلك التَّنوع والتَّغيير والتَّشويق وعدم الإطالة ومشاركة الجميع.

14- إلتزام المجموعة بالأدب الشَّرعي في التَّعامل فيما بينهم من توقير الكبير ورحمة الصغير واجتناب الجدال والغيبة وكل مايورث العداوة والبغضاء بين القلوب، ويحسن المزاح في هذه الأوقات وينبغي أن يكون خفيفا على النفس ليس فيه ضرر وأن يراعى فيه الفروق الفردية بين الناس فكل يمزح معه بما يناسبه وحسب طاقته وطبيعته.

15- إجتناب جميع المعاصي والذنوب كاستماع المعازف وشرب الدخان والنَّظر المحرم وتعاطي المسكر، ولا ينبغي السهر بلا حاجة وربما أفضى لتضييع صلاة الفجر.

16- حسن الجوار واحترام الجار ورعاية حقوقه في بذل الخير له وكف الشر عنه وغض البصر عن محارمه وعدم إيذاءه بأي تصرف، سواء كان له مخيم ثابت أو من الكشاته، قال تعالى: وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وقد أوصى النبي بالجار وشدد فيه، قال رسول الله : { مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه } [متفق عليه]، ولا يحل الإنتفاع بشيء من ماله ولا احتلاب ماشيته إلاّ بإذن منه، وتسن مكافئته على ما يبذله من المعروف.

وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمين ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

المطويات المتوفرة: 584 يحق لكل المسلم إعادة النشر والاستفادة من محتويات الموقع في الاستخدام الدعوي غير التجاري بشرط ذكر المصدر. 0.0156