الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبدالله وآله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
لماذا يكثر الحديث عن الاختلاف والخلاف والتعارض والأحادية ونبذ الرأي الآخر وغيرها من الكلمات التي تتحدث عن قاعدة بدت جليّة في هذا العصر تقول: ( إن لم تكن معي فأنت ضدي ) في الوقت عينه لا نتحدث عن المحرك الأساس للخلاف والاختلاف.. في نظري المتواضع أن سلامة الصدر وتجرده من حب الانتصار الشخصي وحب العلو على الخلق والإذعان للحق حتى لو أتى من العدو هو الحل الأمثل للقضاء على ما نشهده في هذه الأيام من تفرق واختلاف وتشرذم.
أخبرني كيف نصل إلى نقاط إتفاق وعناصر إلتقاء بيني وبينك إذا كنت أنت عينك وذاتك في نظري موضع اتهام؟
كيف أتقبل ما تقوله وأستمع لكامل حديثك واطروحاتك وأنا أفترض أصلاً قبل أن تنبس ببنت شفة أنك غير صادق في نيتك وأنك تسعى للهدم وأني أنا وحدي منقذ الواقع والذي أعلم خير الخيرين وشر الشرين.. وأني الوحيد الذي أميز بين المصالح والمفاسد..
ولهذا بداية نؤكد أن أول طريق صالح للإلتقاء هو تصحيح النية وتجردها للحق.. وألا يكون قصدنا من أي لقاء أو حوار أو تناظر إلا الحق ولا شيء سواه.. ليس المهم أن أكون أنا المُصيب ولا تثريب أن تكون أنت المخطئ.. المهم أن نصل إلى ما يحقق المصلحة العامة للأمة وجمع الكلمة ونبذ الخلاف الذي يشتت الجهود.
ثاني أمر مهم يعقب تصحيح النية وإحسان الظن بالغير وسلامة الصدر من أمراض الحقد والحسد: هو أن يدع الإنسان ما لا يُحسنه لمن يُحسنه! فحسن النية لا يكفي.. ألا توافقني آن حرص أمّ تشاهد وليدها يتلوى آمامها لا يسوغ لها آن تباشر علاجه؟.. بل تذهب به إلى من يحسن الطب ويعلم آسراره.. بل حتى في مجال الطب مثلاً لم نرى أبداً من يذهب لطبيب الأسنان حتى يشكو له ما يجده من ألم في البطن مثلاً! ولو ترك كل واحد منا الشيء الذي لا يُحسنه وأحاله لمن يحسنه كلٌ حسب تخصصه لخفت حدة كثير من الحوارات والخلافات.. وقديماً قيل: ( من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب ) وهذه العجائب في الحقيقة يدركها المتخصص في هذا المجال ولا يدركها العامة من الناس.. وهنا المشكلة! لأنه إذا تحدث إنسان فيما لا يحسنه وقرأت العامة ما يكتب وكان يوافق أهواءهم وكتب بلسان سهل فإنهم يتأثرون به ويصدقونه بينما المتخصص يعلم الحقيقة ولذا يسهم في كتابة الردود وتبدأ رحلة الحوار الطويل الذي كان مبدؤه هو تحدث شخص فيما لا يحسن.
ثالثاً: أن تعطى كل مسألة حجمها ومكانتها فلا إفراط ولا تفريط.. لا غلو ولا جفاء.. فإن كانت مسألة مما يسوغ فيها الإجتهاد.. أو كان خلافاً فرعياً لا تثريب على أحد فيه فالمصيب فيه مأجور والمخطئ له أجر اجتهاده.. فينبغي ألا تطول جلسات الحوار وصفحات المقال في مثل هذه المسائل ففي جسد الأمة من الجراح وفي فكرها من الزلل والخلل ما يكفي أن نلتفت إليه.. وما ضرنا أكثر من تقديمنا فروض الكفايات على الواجبات.. والفرعيات على الأصول.. والمهم على الأهم..
رابعاً: مراعاة المصلحة في كل ما نأتي وما نذر.. ولنتذكر دائماً أن ما يحسن قوله في زمان ومكان ما لا يعني صلاحه لكل مكان وزمان.. وما يحسن أن ينطق به العالم والمثقف والمسؤول الذي يتبعه الناس ويتأثرون بما يقول يختلف عما يقوله غيرهم.. فالأمة أمانة في أعناق أصحاب الكلمة ومن يملكون التأثير.. فالحرص على ما يجمع الكلمة ويوحد الصف يجب أن يكون القطب الذي تلتقي عليه وحواراتنا ولقاءاتنا.
خامساً وأخيراً: يجب أن نشجع روح التسامح فيما بيننا.. وأن نتجاوز مراحل الماضي التي كنا فيها ضحايا سعة الوقت الذي ملأناه بخلافات لو كنا وقتها في شغل حقيقي وتفكير سديد لوجدنا طرقاً كثيرة ننشغل بها في صناعة حياة تتسم بالبناء والإتحاد والتعاون.. وأن يعذر بعضنا بعضاً فيما يسوغ فيه العذر وأن نعفو ونصفح ونسامح إن كان شيئاً يخص ذواتنا وأن يكون همنا المصلحة التي تعود على الأمة ودينها وتراثها.. والله المستعان.
|