(1404 كلمة)
الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين. أمّا بعد:
فإنَّ الصلاةَ هي عمادُ الدين، وركن الإسلام المتين، وهي أول ما أوجبه الله تعالى من العبادات، وأول ما يحاسَبُ عنه المرء يوم القيامة فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله، وهي آخر وصيةٍ وصَّى بِهَا رسول الله أمَّتَهُ عند موته، فقال: { الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم } [أخرجه ابن ماجه وأحمد وصححه الألباني].
وعلى الرغم من عظم مكانة الصلاة في الإسلام وأهميتِها إِلاَّ أَنَّهَا أصبحت في هذا الزمن مع الأسف الشديد محل استخفاف البعض وسخريتهم واستهزائهم وتندُّرِهِمْ، فهي ضائعةٌ مهملةٌ لدى الكثيرين، منسيَّةٌ مؤخرةٌ عن وقتِها لدى آخرين تفعل في غير الجماعة لدى الباقين، فلا حول ولا قوَّةَ إِلاَّ بالله.
حكم تارك الصلاة
إِنَّ تركَ الصلاة والاستخفاف بِهَا خطأ فادحٌ بكل المقاييس، وجنايةٌ مٌخزيةٌ بكل المعايير، وهي كفرٌ أكبَرٌ مٌخرجٌ من الملَّةِ، وصاحبه بحاجةٍ إلى دعوته إلى الإسلام من جديدٍ كغيره من الخارجين عن دائرته، وإطاره المحدود، ومهما كان الحكم قاسياً فهو حقيقةٌ لا تقبلُ الجدال والمناقشة، فالذي حكم بكفره هُوَ الله ورسولهصلى الله عليه وسلم، فأمّا الله جلَّ جلاله فيقول: فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ [التوبة:11]، ومفهومُ الآية واضحٌ وصريح، أي إن لَمْ يقيموا الصلاةَ فليسوا إخوةً لنا في الدين، أي أنَّهم مرتدُّونَ، خارِجونَ عن الإسلام وأهله.
وأمَّا رسولنا فقد أعلنها صريحةً لا تقبل التأويل فقال : { العهدُ الَّذِي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركَها فقد كفر } [رواه الترمذي والنسائي وأحمد والحاكم، وقال صحيحُ الإسناد ووافقه الذهبي].
وقال أيضا : { بين الرجل وبين الشرك والكفر تركُ الصلاة } [رواه مسلم]، فتركُ الصلاةٍ إذا كفرٌ ورِدَّةٌ وسَفَهٌ وجنون!!.
وجاء في الصحيحين أَنَّ رسول الله قال: { أُمرتُ أن أُقاتِلَ الناس حتى يشهّدوا أن لا إله إِلاَّ الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاةَ ويؤتوا الزكاةَ فإذا فعلوا ذلك عصموا مِنِّي دماءهم وأموالهم إِلاَّ بحقِّها وحسابُهم على الله }.
فقد أمره الله تعالى أن يقاتل النّاس حَتَّى يسجدوا ويركعوا لله، ويوم يتهاون الإنسان بالصلاة، أو يتركها أو يتنكر لَهَا يصبح هذا الإنسان لا قداسةَ لَهُ ولا حرمة، ويكونُ دمه رخيصاً لا وزن لَهُ، يُسفك دمه، يقطع رأسه بالسيف، قيل حدّاً، وقيل كفراً وَهُوَ الصحيح.
فأمَّا الذين لا يعرفون الكفر ومعناه؟! فالكفر جحيمٌ لا ينقضي، وعذابٌ لا ينتَهي، الكفر: بؤسٌ وعناءٌ، ودماءٌ وأشلاء، الكفر: زفراتٌ وآهاتٌ، ودموعٌ وعَبْرات.
قال تعالى: ..فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ [الحج:19-22].
وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ [فاطر:36].
إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَاراً كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً [النساء:56].
فاتَّقوا الله يا مَن تتركون الصلاةَ واعلَموا أَنَّ هذا مصيركم ما دمتم مُصِرِّينَ على تركِها مُتَهاوِنين في أدائِها.
تأخير الصلاة عن وقتِها
هناك أناسٌ لا يتركون الصلاة، ولكنّهم يؤخرونَها أحياناً عن أوقاتِها بدونِ عذرٍ شرعيٍّ وإنَّما هُوَ الكسل وحب الراحة فهمْ يؤدُّونَها حسب أهوائهم وتبَعاً لأمزجتِهم، ووفقاً لظروفهم، فإذا كانوا نائمين أدوها عند الاستيقاظ!! وإذا كانوا مشغولين أدَّوْها عند الفراغ، وما درى هؤلاء الواهِمون أنَّهم المعنيون بقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5]، قال مسروق: ( أي لا يفعلون الصلاة في وقتِها المشروع.. ) وهذا الوعيد جاء بحقِّهم بسبب تأخيرها عن وقتِها، لأنّ الصلاة لَهَا وقتٌ محددٌ يجب أن تؤدَّى فيه فإذا خرج وقتُها بطلت ولم تُقبَل إِلاَّ من عذرٍ شرعِيٍّ، قال تعالى: إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً [النساء:103].
وقال تعالى: فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59]، قال ابن مسعود رضي الله عنه: ( أما أنّهم ما تركوها بالكلية ولكن أخَّروها عن أوقاتِها ).
إنَّهم يصلُّونَ لكن صلاة الفجر بعد طلوع الشمس، وصلاة العصر بعد غروب الشمس أو بعد الغروب، وهكذا باقي الصلوات.
قال أبو محمد بن حزم: ( قد جاء عن عمر بن الخطاب، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرةَ وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم: أَنَّ مَن ترك صلاةً واحدةً متعمِّداً حَتَّى يخرج وقتها فهو كافرٌ مرتدٌّ، ولا نعلم لهؤلاءِ الصحابةِ مخالفاً ).
وجوب صلاةِ الجماعة
هناك صنفٌ من النّاس حريصون كل الحرص على أداء الصلاةِ في أوقاتِها، لكن حماسَهم يخبوا، وإصرارهم يضعف عن أداءِ الصلاة مع جماعةِ المسلمين في المساجد، فإبراءً للذمَّةِ نسوق لهؤلاءِ هذه الأدلة الثابتة والحجج الراسخة الَّتِي تؤكد وجوبَ صلاةِ الجماعة في المساجد وأنَّ من يظن غير هذا فهو يعيش وهماً كبيراً، ويرتكبُ خطئاً فادِحاً، وفي مقدمة هذه الأدلةِ ما أوجبه الله على المجاهِدين وهم يخوضون غِمار المعركةِ في أحلكِ ساعاتِ النِّزالِ من لزومِ الجماعة في حقِّهم، فقال عزَّ من قائل: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُواْ أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُواْ حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً [النساء:102].
أرأيتَ أخي المسلم كيف فرضَ الله الجماعةَ في أحلكِ الظروف وأحرجِ المواقف حيث تخضَّبتِ السيوف بدِمائها وتطايرت الرؤوسُ عن أعناقِها.
وأمَّا ما جاء عن النبي في وجوبِ صلاةِ الجماعةِ في الصحيحين أَنَّهُ قال: { لقد هممتُ أن آمُرَ بالصلاةِ فتُقام ثُمَّ آمر رجلاً فيصلِّي بالناس ثُمَّ أنطلقُ معي رجالٌ معهم حزمٌ من حطبٍ إلى قومٍ لا يشهَدونَ الصلاة ـ يعني الجماعة ـ فأحرق عليهم بيوتَهم بالنار } [متفقٌ عليه].
فأيُّ شيءٍ يدلُّ عليه ذلك؟! إن لَمْ يكن وجوب أدائها في المسجد مع جماعةِ المسلمين، وأنَّ أداءها في البيوت ذنبٌ عظيمٌ وجرمٌ خطيرٌ وخطأ فادح.
وأيُّ عذرٍ لهؤلاءِ المتخلفين عن الجماعة وقد جاء الأعمى إلى رسول الله يشكوه بُعد داره ووعورة طريقه، وفقدانه لقائدٍ يلازمه، يسأل رسول الله أن يُرخِّصَ لَهُ أن يصلِّي في بيته، فيقولُ لَهُ : {أتسمعُ النداء؟} قال: نعم، قال: {أجب فإنِّي لا أجد لك رخصة}، أفتكونُ الرخصةُ إذاً لذَوي السمع الرهيف والبصر الحاد؟! أم تكون الرخصةُ لمن أحاطت بِهِمْ المساجد من كل جانبٍ وذُلِّلَتْ لهم الطرق، وعُبِّدَتْ لهم الشوارع!! سبحانك هذا بُهتانٌ عظيم.
أخي الحبيب..
يا من تركتَ الصلاةَ أو تهاونت بِهَا، إنّنا نحبك ونخافُ عليك من النار وغضب الجبار يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا [الأحزاب:66].
ووالله وبالله وتالله إنّنا نستبشر خيراً، إذا رأيناك تصلِّي، ونفرحُ فرحاً عظيماً، لأنّك أخٌ لنا في الله، ونحن لا نطلب منك المستحيل، إنّما نطلب منك فقط أداء الصلاة مع جماعةِ المسلمين وَهُوَ ما فيه فوزك وفلاحك في الدنيا والآخرة.
لا يضرك أخي أن تؤخر أعمالك وارتباطاتك لمدة عشر دقائق أو أكثر أو أقلّ حَتَّى تؤدي الصلاة فإنَّ الصلاةَ أمرها عظيمٌ وتركُها والتهاونُ بِهَا فعلٌ خطير، قال تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثِّر:42-43].
كلمة إلى الآباء
إِنَّ كثيراً من الآباء تجدهم يحافظون على الصلاة ويهتمون بِهَا كثيراً، ولكن البعض منهم هدانا الله وإيَّاهم قد أهمل أبناءه وضيَّعهم، فتجده يخرج إلى الصلاةِ وأولاده في البيت وقد لا يكلف نفسه أن يأمرهم بالصلاة أو يحثّهم عليها، وكأنّه ليس مسؤولاً عنهم.
فيا أَيُّهَا الأب..
لماذا هذا الإهمال وهذا التساهل في أعظم وآكدِ أركان الإسلام بعد الشهادَتين؟ وهل إذا جاء وقتُ الدراسة أو العمل تتركهم وشأنُهم أم تحرص على متابعتهم وحثِّهم على أداءِ دراستهم أو عملهم.
يا مسكين تحرص على دنياهم وتغفل عن آخرتِهم، ألم تعلم أنَّهم سيتعلَّقون في عنقك يوم القيامة، ألا تعلم أنك مسؤولٌ عنهم كما أمر بذلك رسول الله بقوله: {والرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيَّته}. أين أنت من قول الله تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]؟ ألا تخاف عليهم من النّار يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6].
فاتَّقِ الله وجاهد نفسك بمتابعتهم، ومراقبتهم وتفقدهم في المسجد، وإذا تخلف أحدهم عن الصلاة فعليك أن تسأله عن أسباب ذلك، وحرِّضه على أن لا يتكرر منه ذلك مرَّةً أخرى وعلِّمهم أهميَّتَها ومكانتها من الدِّين، وأوضِح لهم عقوبةَ تارِكِها والمتهاونِ بِهَا واجعل لهم الحوافز والجوائز حَتَّى يحافِظوا عليها، وليكن أيضاً بينك وبين إمام المسجد تعاونٌ في تشجيعهم من قِبَلِهِ وتقديم الجوائز لهم لمحافظتهم عليها ـ بما في ذلك صلاة الفجر ـ ونشِّئهُمْ عليها منذ الصِّغر كما أمركَ بذلك رسول الله بقوله: { مُروا أولادَكُمْ بالصلاةِ لسبعٍ واضرِبوهُمْ عليها لِعَشْرٍ } [رواه أحمد].
فإنَّ هذا التوجيه النبوي الكريم ما جاء في هذه السنِّ المبكرة إِلاَّ لكي يتعلم عليها الصغار، فيعرفوا عظمَ شأنِها ومكانتها منذ الصغر فينشأوا على حبِّها ويسهل عليهم بعد ذلك أداءها والمحافظة عليها.
أصلح الله نيَّاتِنا وذُرِّيَّاتِنا وجعلهم قرَّةَ عينٍ لنا وجعلَنا وإيَّاهم هداةً مهتدين، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين. |