(1474 كلمة)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فمن خلال هذه الأسطر أضع بين يدي القاريء موضوع (غسل الجمعة فضائل وآداب وأحكام) حيث أهميته وتأكيد المصطفى .
وبما أن التطهر والتنظف لصلاة الجمعة عبادة شرعية تشتمل على أحكام وآداب نبوية يغفل عنها البعض ويجهلها البعض الآخر، كان ولا بد من إبراز هذه العبادة، لتفارق العادة، لأن الشارع الحكيم رتب أعظم الجزاء على أكمل الأعمال ولن يظفر بعظيم الثواب إلا من أتى بالعبادة على أكمل وجه ولا يخفى أن التساهل بأمور العبادة قد يحبطها أو قد ينقص أجرها.
فيا أخي المسلم: أنت مخاطب من سيد البشر ممن لا ينطق عن الهوى بالتنظف لصلاة الجمعة اغتسالاً وادهاناً وتطيباً وسواكاً، لأن هذا اليوم يجتمع فيه العدد الكبير من المسلمين في المساجد فتتولد بعض الروائح المؤثرة، مما يشق على نفوس المصلين ويتأذون به فيفقد المصلي خشوعه وينشغل باله، والواجب رفع الأذى عن المسلم أرأيت أكل الثوم أو البصل فإن أكله يكره له حضور المسجد للصلاة حيث يؤذي المصلين برائحته الكريهة، فأنت عندما تغتسل، وتمس من الطيب، وتستاك، وتلبس أحسن الثياب تكون جمعت بين حسن المظهر وحسن التعبد لله وهيأت جواً عبادياً يريح إخوانك المصلين، وإضافة إلى هذا فإنه زينة مأمور بها شرعاً قال تعالى: يا بني آدم خُذُوا زينتكم عند كُلِّ مسجد [الأعراف:31] ولنا في ذلك كله وقوله تعالى: لقد كان لكم في رسول الله أسْوةٌ حسنة [الأحزاب:21]. اللهم وفقنا لسنة نبيك واجعلنا ممن استنار بها في جميع أموره إنك سميع مجيب.
مشروعية الغسل لصلاة الجمعة وبيان فضله:
وردت السنة بآثار كثيرة صحيحة تدل على مشروعية الغسل لصلاة الجمعة وتبين فضله منها:
1- ما رواه أبو سعيد أن النبي قال: { غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم والسواك، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه } [متفق عليه].
2- وما رواه أبو هريرة أن رسول الله قال: { من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر } [رواه البخاري ومسلم].
3- وعن سلمان الفارس قال: قال النبي : { لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر بما استطاع من طهر ويدهن من دهنه أو يمس من طيب بيته ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ثم يصلي ما كتب له ثم ينصت للإمام إذا تكلم إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى } [رواه البخاري].
4- وعن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول الله يقول: { من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الإمام فاستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة عمل سنة أجر صيامها وقيامها } غسل واغتسل: قيل بمعنى واحد وكرر للتأكيد، وقيل: غسل أي غسل رأسه لأن العرب كان لهم شعور فيحتاج إلى عناية غسل. واغتسل: أي غسل سائر جسده. وبكر وابتكر: قيل للتأكيد وقيل بكر: أدرك باكورة الخطبة: وابتكر: قدم في الوقت: انظر معالم السنن على مختصر أبي داود (1/213) [رواه أبو داود والترمذي وصححه ابن خزيمة والحاكم].
5- وعن سمرة بن جندب أن نبي الله قال: { من توضأ للجمعة فبها ونعمة ومن اغتسل فالغسل أفضل } [رواه أبو داود والترمذي وحسنه].
6- وعن أبي أمامة قال: قال رسول الله : { اغتسلوا يوم الجمعة فإن من اغتسل يوم الجمعة فله كفارة ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام } [رواه الطبراني في الكبير وحسن العراقي إسناده].
فالمتأمل لهذه الآثار النبوية يدرك مدى فضل غسل الجمعة وتأكد مشروعيته فمن عمل بما وردت به الأحاديث استحق ذلك الثواب العظيم، بل إن من العلماء من ذهب إلى وجوب الغسل لصلاة الجمعة كما سنبينه لاحقاً إن شاء الله.
قال ابن القيم رحمه الله: ( الأمر بالاغتسال في يومها - يوم الجمعة - أمر مؤكد جداً ) [زاد المعاد:1/377] وقال النووي رحمه الله: ( بل هو مستحب لكل من أراد حضور مجمع من مجامع الناس نص عليه الشافعي ) [المجموع:1/459].
فحري بالمرء المسلم أن يغتنم هذه السنن وان لا يفوت شيئاً منها ليدرك هذا الفضل ويكتب من العاملين بسنته .
بيان أحكام غسل الجمعة وما يتعلق به:
حكم الغسل:
يسن الغسل لصلاة الجمعة، للأدلة الصريحة في ذلك فعن أبي سعيد أن النبي قال: { غسل الجمعة واجب على كل محتلم } [رواه البخاري مسلم] وعن أبي هريرة عن النبي قال: { حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يغسل رأسه وجسده } [رواه البخاري ومسلم] وغسل الجمعة عند الصحابة رضي الله عنهم كالمجمع على مشروعيته.
( غسل الجمعة أوجبه شيخ الإسلام ابن تيمية على من له عرق أو ريح يتأذى به الناس وعن أحمد وغيره أنه واجب وهو من المفردات. وذهب شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله إلى هذا القول أنظر حاشية ابن قاسم [2/470] وشرح الزركشي [2/205] وأنظر زاد المعاد [1/377]. والإنصاف [4/454]. والشرح المصنع[5/ 108] ). قال ابن عبد البر (أجمع علماء المسلمين قديماً وحديثاً على أن غسل الجمعة ليس بفرض) [المجموع: 4/454 والمغني: 2/470].
وغسل الجمعة آكد من سائر الأغسال، قال المرداوي: وهو الصواب ونحوه عن ابن القيم. وهذا الغسل سنة في حق كل من أراد حضور الجمعة الرجل والمرأة والصبي والمسافر والسيد وهو مذهب الجمهور وصححه النووي لأن المقصود منه النظافة ولعموم الخير. [الإنصاف: 2/407، وزاد المعاد: 1/376 وشرح الزركشي: 2/206].
ومما سبق يتضح آكدية الغسل لصلاة الجمعة فينبغي عدم التساهل به إدراكاً للفضل وخروجاً من تبعة الوجوب. قال الشافعي رحمه الله: ( ولا تركت غسل الجمعة في حر ولا برد ولا سفر ولا غيره ) [مناقب الشافعي:231] وسمعت نحو هذا عن شيخنا محمد بن عثيمين رحمه الله. وكان طلحة رضي الله تعالى عنه يغتسل للجمعة في السفر وأيضاً عبد الله بن الحرث وغيرهما [الشرح الكبير:1/386] ومصنف بن أبي شيبة من كان يغتسل في السفر يوم الجمعة.
وقت غسل الجمعة:
اختلف العلماء في تحديد وقت الغسل لصلاة الجمعة ففي الحديث { لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا } [رواه البخاري] فالمراد باليوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لهذا ذهب الظاهرية إلى أن سنة الغسل تحصل بالاغتسال ولو بعد صلاة الجمعة لأن الغسل عندهم ليوم الجمعة ولا يختص بالصلاة فقد أخذوا بظاهر النصوص وهذا خلاف ما أجمعت عليه الأمة [المطي: 1/19، والكافي: 1/266، والإجماع لابن عبد البر: 28].
وأقرب الأقوال للصواب أن الغسل يكون من طلوع الشمس إلى وقت الذهاب إلى صلاة الجمعة. والأفضل أن يكون عند مضيه ( قالت الشافعية: يصح غسل الجمعة من طلوع الفجر إلى أن يدخل في الصلاة والأفضل تأخيره إلى وقت الذهاب. وقالت المالكية: ويصح بطلوع الفجر والاتصال بالذهاب إلى الجمعة فلو اغتسل ولم يذهب إلى الجامع لم تحصل السنة ). أنظر المغني [2/347] وكتاب الفقه على المذاهب الأربعة [1/111] وانظر المجموع [5/454]. إليها حيث بلغ الغاية في النظافة. [المغني: 2/347 والمجموع: 4/452 والكافي: 1/126].
حكم من أحدث بعد الغسل وقبل الذهاب للصلاة:
من اغتسل يوم الجمعة ثم أحدث قبل الذهاب للجامع أجزاه الغسل فلا يعيده وكفاه الوضوء لأن المقصود من الغسل هو التنظيف وإزالة الرائحة فلا يؤثر الحدث في إبطاله ونقل النووي الإجماع على هذه المسألة. [المجموع: 4/456].
صفة الغسل المشروعة للجمعة وغيرها:
المغتسل من الجنابة ولغسل صلاة الجمعة والإحرام وغيرهما من الأغسال المشروعة صفتان:
الأولى: غسل مجزىء: وصفته أن ينوي، ثم يسمي، ثم يعم بدنه بالغسل مرة واحدة، مع المضمضة والاستنشاق بل لو انغمس من عليه الجنابة، أو يريد غسل الجمعة ببركة ماء. ثم خرج لجزاه بشرط أن يتمضمض ويستنشق للجنابة.
الثانية: غسل كامل وهو الأفضل وقد وردت به السنة المطهرة. ولمراد به ما اشتمل على واجبات الغسل، ومستحباته، وصفته:
أن ينوي المغتسل الطهارة من الجنابة، أو غسل الجمعة، أو غسل الإحرام للحج أو العمرة، أو غيرها من الأغسال المشروعة. ثم يقول (بسم الله)، استحباباً. ثم يغسل يديه ثلاثاً لكن إن كان هذا الإغتسال من جنابة وجب غسل اليدين قبل غمسهما في الإناء بعد ذلك يتوضأ كوضوئه للصلاة. فإذا فرغ من الوضوء حثا الماء على رأسه ثلاث مرات. مخللاً شعر رأسه، ولحيته بأصابعه ليبلغ الماء بشرته، ثم يعم سائر جسده بالماء مرة واحدة بدءاً بالجانب الأيمن ثم الأيسر.
ويستحب أن يدلك بدنه بيديه ليتأكد من وصل الماء إلى جميع بدنه [الاختيارات ص 17 وحاشية ابن قاسم 1/ 284 والمبدع 1/ 200] وليس على المرأة نقض شعرها إلا إذا علمت أن الماء لا يصل إلى منابت الشعر. ومن اغتسل على هذه الصفة كفاه عن الوضوء وإن نوى غسل الجمعة وغسل الجنابة معاً أجزئه سواء في الغسل الكامل أو المجزئ لأنهما عبادتان من جنس واحد فتداخلتا. [أنظر الإنصاف 1/260) وقد أثار صاحب الإنصاف (1/ 247- 251) إلى الأغسال المستحبة وعدَّ منها ما يُقارب العشرين غسلاً: كالغسل للجمعة- والعيدين- والاستسقاء- والكسوف- والمجنون- والمغمي عليه إذا أفاقا من غير احتلام- ومن غسل الميت- وغسل المستحاضة لكل صلاة.. وغيرهما ستجدها مبسوطة في موضعها غير أن بعض الأغسال قد اختلف العلماء في مشروعيتها والله أعلم].
وهل الإغتسال لصلاة الجمعة على صفته المجزأة يكفي عن الوضوء؟ إذا كان غسله الجمعة عن جنابة كفاه عن الوضوء لأن هذا الغسل عن حدث أكبر فيرتفع معه الحدث الأصغر أما غسل الجمعة وحده لا بد معه من الوضوء للصلاة والله أعلم. وصلى الله على نبينا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. |