(1828 كلمة)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،،، أما بعد:
أختي المسلمة: هنيئاً لك ماعزمت عليه من الذهاب إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج، تلك الفريضة التي غابت عن كثير من نساء المسلمين، فبعضهن يجهلن أن الحج فريضة عليهن، وبعضهن يعلمن ولكن يركبن مركب التسويف حتى يفجأهن الأجل وهن تاركات للحج، وبعضهن لا يدرين شيئاً عن المناسك، فيقعن في المحظور والمحرم، وربما بطل حجهن دون أن يشعرن، والله المستعان.
أما أنت أيتها الأخت الفاضلة: فلا أراك من هؤلاء، لأنك تعلمين أن الحج فريضة الله على عباده، وهو ركن الإسلام الخامس، وهو جهاد المرأة؟ لقول النبي لعائشة رضي الله عنها: { جهادكن الحج } [رواه البخاري].
وهذه أختي المسلمة بعض النصائح والتوجيهات والأحكام التي تختص بها من أرادت الحج، وهي مما يعين على جعل الحج متقبلاً مبروراً، والحج المبرور كما قال النبي : { ليس له ثواب إلا الجنة } [متفق عليه].
1 - الإخلاص لله شرط في صحة وقبول أي عبادة ومنها الحج، فأخلصي لله تعالى في حجك، وإياك والرياء فإنه يحبط العمل ويوجب العقوبة.
2 - متابعة السنة ووقوع العمل وفق هدي النبي شرط ثان في صحة وقبول العمل. لقوله : { من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد } [رواه مسلم]. وهذا يدعوك إلى تعلم أحكام الحج وفق سنة النبي مستعينة على ذلك بالكتب المفيدة التي تعتمد على الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة.
3 - احذري الشرك الأكبر والأصغر والمعاصي بجميع أنواعها، فإن الشرك الأكبر يوجب الكفر وحبوط العمل والعقوبة، والشرك الأصغر يوجب حبوط العمل والعقوبة، والمعاصي توجب العقوبة.
4 - لا يجوز للمرأة أن تسافر للحج أو لغيره بدون محرم، لقول النبي : { لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم } [متفق عليه]. والمَحْرم هو الزوج وكل من تحرم عليه المرأة تحريماً دائماً بقرابة أو رضاعة أو مصاهرة، وهو شرط في وجوب الحج على المرأة، فإذا توفر للمرأة المحرم مع الزاد والراحلة وأمن الطريق، وجب عليها الحج وإلا لم يجب.
5 - للمرأة أن تحرم فيما شاءت من الثياب من أسود وأخضر أو غيرهما، مع الحذر مما فيه تبرج أو شهرة كالثياب الضيقة والشفافة والقصيرة والمشقوقة، وكذلك يجب على المرأة الحذر مما فيه تشبه بالرجال، أو مما هو من ألبسة الكفار. ومن هنا نعلم أن تخصيص بعض العامة من النساء للإحرام لوناً معيناً كالأخضر أو الأبيض ليس عليه دليل، بل هو من البدع المحدثة.
6 - يحرم على المحرمة بعد عقد نية الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب، لا في البدن ولا في الثياب، ويحرم عليها قصد شم الطيب واستعمال الأدهان المطيبة أو الصابون المطيب. وكذلك يحرم على المرأة التطيب مطلقاً بما يظهر ريحه إذا مرت على الرجال سواء أكانت محرمة أو غير محرمة.
7 - يَحْرم على المحرمة إزالة الشعر من الرأس وجميع البدن بأي وسيلة وكذلك تقليم الأظافر.
8 - يحرم على المحرمة لبس البرقع والنقاب أو ما خيط على قدر الوجه، ولبس القفازين وهما ما خيط على قدر الكفين، لقول النبي : { لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين } [رواه البخاري].
9 - المحرمة لا تكشف وجهها ولا يديها أمام الرجال الأجانب، متعللة بأن النقاب والقفازين من محظورات الإحرام، لأنها يمكن أن تستر وجهها وكفيها بأي شيء كالثوب والخمار ونحوهما، فقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: { كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه } [رواه أبو داود].
10 - بعض النساء إذا أحرمن يضعن على رؤسهن ما يشبه العمائم أو الرافعات حتى لا يلامس الوجه شيء من الخمار أو الجلباب، وهذا تكلف لا داعي له لأنه لا حرج في أن يمس الغطاء وجه المحرمة.
11 - يجوز للمحرمة أن تلبس القميص والسراويل والجوارب للقدمين، وأساور الذهب والخواتم والساعة ونحوها، ولكن يتعين عليها ستر زينتها عن الرجال غير المحارم في الحج وفي غير الحج.
12 - بعض النساء إذا مرت بالميقات تريد الحج أو العمرة وأصابها الحيض، قد لا تحرم ظناً منها أن الإحرام تشترط له الطهارة من الحيض، فتتجاوز الميقات بدون إحرام، وهذا خطأ واضح، لأن الحيض لا يمنع الإحرام، فالحائض تحرم وتفعل ما يفعله الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، فتؤخره إلى أن تطهر، وإن أخرت الإحرام وجاوزت الميقات بدونه، فإنها إن رجعت إلى الميقات وأحرمت منه فلا شيء عليها، وإن أحرمت من غير الميقات فعليها دم لترك الواجب عليها.
13 - للمرأة أن تشترط عند الإحرام إذا خافت من عدم إكمال نسكها فتقول: ( إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني )، فلو حدث لها ما يمنعها من إتمام الحج أحلّت ولا شيء عليها.
14 - تذكري أعمال الحج:
أولاً: إذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، اغتسلي وأحرمي ولبِّي قائلة: ( لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك ).
ثانياً: اخرجي إلى منى، وصلّي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر مع قصر الصلاة الرباعية ركعتين بدون جمع.
ثالثاً: إذا طلعت شمس يوم التاسع سيري إلى عرفة، وصلّي بها الظهر والعصر جمعاً وقصراً في وقت الظهر، وامكثي في عرفة داعيةً ذاكرةً مبتهلةً تائبةً إلى غروب الشمس.
رابعاً: إذا غربت شمس اليوم التاسع سيري من عرفة إلى مزدلفة، وصلّي بها المغرب والعشاء جمعاً وقصراً، وامكثي بها إلى صلاة الفجر، واجتهدي بعد الفجر في الذكر والدعاء والمناجاة حتى يسفر جداً.
خامساً: انطلقي من مزدلفة إلى منى قبل شروق شمس يوم العيد، فإذا وصلت إلى منى فافعلي ما يلي:
أ - ارمي جمرة العقبة بسبع حصيات.
ب - اذبحي الهدي بعد ارتفاع الشمس.
ج - قصِّري من كل أطراف شعرك قدر أنملة.
د - انزلي إلى مكة، وطوفي طواف الإفاضة، واسعي بين الصفا والمروة سعي الحج إذا كنت متمتعة، أو لم تسعي مع طواف القدوم إذا كنت مفردة أو قارنة.
سادساً: ارمي الجمرات في اليوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر بعد الزوال إذا أردت التأخر، أو الحادي عشر والثاني عشر إذا أردت التعجل، مع المبيت بمنى ليلتين أو ثلاث.
سابعاًَ: إذا أردت الرجوع إلى بلدك فطوفي للوداع، وبهذا تنتهي أعمال الحج.
15 - المرأة لا تجهر بالتلبية، بل تسر بها فتُسمع نفسها ومن بجوارها من النساء، ولا تُسمع الرجال الأجانب حذراً من الفتنة ولفت الأنظار إليها.
16 - وقت التلبية يبدأ من بعد الإحرام ويستمر إلى رمى جمرة العقبة يوم النحر.
17 - إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل السعي، فإنها تكمل بقية المناسك فتسعى ولو كان عليها الحيض؛ لأن السعي لا يشترط له الطهارة.
18 - يجوز للمرأة استعمال حبوب منع الحيض لتتمكن من أداء نسكها بشرط عدم حدوث ضرر عليها.
19 - احذري مزاحمة الرجال في جميع مناسك الحج، وبخاصة في الطواف عند الحجر الأسود والركن اليماني، وكذلك في السعي وعند رمي الجمرات، وتخيّري الأوقات التي يخف فيها الزحام، فقد كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تطوف في ناحية منفردة عن الرجال، وكانت لا تستلم الحجر أو الركن إن كان ثمة زحام.
20 - ليس على المرأة رمل في الطواف ولا ركض في السعي: والرمل هو إسراع الخطى في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف، والركض يكون بين العلمين الأخضرين في جميع أشواط السعي، وهما سنة للرجال.
21 - احذري هذا الكتاب، وهو كتاب صغير يحوي بعض الأدعية المبتدعة، وفيه دعاء مخصوص لكل شوط من أشواط الطواف أو السعي، وليس في ذلك دليل من كتاب أو سنة، فالدعاء مشروع في حال الطواف والسعي بما شاء الإنسان من خيري الدنيا والآخرة، وإن كان دعاءً مأثوراً عن النبي صلى الله علي كان أولى.
22 - للمرأة الحائض أن تقرأ كتب الأدعية والأذكار الشرعية، ولو كان بها آيات من القرآن، ويجوز لها أيضاً أن تقرأ القرآن دون أن تمس المصحف.
23 - احذري كشف شيء من بدنك وبخاصة في الأماكن التي يمكن أن يراك فيها الرجال، كأماكن الوضوء العامة، فإن بعض النساء لا تبالي بوجود الرجال قريباً من تلك الأماكن، فينكشف منها حال الوضوء ما لا يجوز كشفه من وجه وذراعين وساقين، وربما خلعت ما على رأسها من خمار، فتظهر الرأس والرقبة، وكل ذلك محرم لا يجوز، وفيه فتنة عظيمة لها ولغيرها من الرجال، وهو كذلك من صور التعاون على الإثم والعدوان.
24 - يجوز للنساء الدفع من مزدلفة قبل الفجر، فقد رخص النبي لبعض النساء ولا سيما الضعيفات بالانصراف من مزدلفة بعد مغيب القمر في آخر الليل، وذلك حتى يرمين جمرة العقبة قبل الزحام، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن سودة رضي الله عنها استأذنت النبي ليلة جَمْع - أي مزدلفة - أن تدفع قبل حَطمة الناس، وكانت امرأة ثبطة - أي ثقيلة - فأذن لها، وأرسل أم سلمة كذلك، فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت وأفاضت [رواه أبو داود].
25 - يجوز تأخير الرمي إذا رأى ولي المرأة أن الزحام قد اشتد حول جمرة العقبة، وأن في ذلك خطراً على من معه من النساء، فيجوز تأخير رميهن الجمرة حتى يخف الزحام أو يزول، ولا شيء عليهن في ذلك. وكذلك الحال عند الرمي في أيام التشريق الثلاثة، يمكن أن يؤخرن رمي الجمرات إلى ما بعد العصر، وهو وقت يخف فيه الزحام جداً كما هو مشاهد ومعلوم.
26 - لا يجوز للمرأة أن تمكن زوجها من جماعها أو مباشرتها طالما أنها لم تتحلل التحلل الكامل، ويحصل هذا التحلل بثلاثة أمور:
الأول: رمي جمرة العقبة بسبع حصيات.
الثاني: التقصير من جميع الشعر قدر أنملة، وهي ما يقدر ب (2 سنتيمتر) وليس على النساء حلق.
الثالث: طواف الحج (طواف الإفاضة).
فإذا فعلت المرأة هذه الثلاثة مجتمعة جاز لها كل شيء حُرم عليها بالإحرام حتى الجماع، وإذا فعلت اثنين منها جاز لها كل شيء إلا الجماع.
27 - لا يجوز للمرأة أن تبدي شعرها للرجال الأجانب وهي تقصر من أطرافه، كما تفعل كثير من النساء عند المسعى؛ لأن الشعر عورة لا يجوز كشفه أمام أحد من الأجانب.
28 - احذري النوم أمام الرجال، وهذا ما نشاهده من كثير من النساء اللاتي يَحْجُجن مع أهاليهن دون مخيّم أو أي شيء يسترهن عن أعين الرجال، فينمن في الطرقات وعلى الأرصفة وتحت الجسور العلوية وفي مسجد الخيف مختلطين مع الرجال، أو قريباً من الرجال، وهذا من أعظم المنكرات التي يجب منعها والقضاء عليها.
29 - ليس على الحائض والنفساء طواف وداع، وهذا من تخفيف الشرع وتيسيره على النساء، فللمرأة الحائض أن تعود مع أهلها وإن لم تطف طواف الوداع، فاحمدي الله أيتها المرأة المسلمة واشكريه على هذا التيسير وتلك النعمة.
آداب الحج والعمرة
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: ينبغي لمن أراد الحج والعمرة الآتي:
1 - أن ينوي بذلك وجه الله وثوابه.
2 - أن يتوب إلى الله توبةً نصوحاً.
3 - وأن يتحلل مَنْ له حق عليه أو بينه وبينه معاملة.
4 - و يستعين بالله في أموره كلها، ويسأله الهداية والتسديد والتسهيل.
5 - ويعلم أنه قد قصد سفراً مباركاً، يعد خير الأسفار وأبركها، فيحتسب كل ما أنفقه في هذا السفر على نفسه ورفقته ومن يتصل به، وما ينفقه على فقير أو مسكين، وما يقضي به حاجة مسلم غنياً كان أو فقيراً.
6 - ويحتسب تعبه ونصبه وما يصيبه من المشقات في هذا السبيل.
7 - وليحرص على مرافقة من يعينه في سفره على أمور دينه.
8 - و ليحافظ في سفره على الصلوات الخمس وإقامة شروطها وحدودها.
9 - وليكثر من ذكر الله في جميع سفره، فإن أفضل الحجاج أفضلهم لله ذكراً.
من أخبار زبيدة في الحج
هي زبيدة بنت جعفر بن المنصور العباسي، امرأة هارون الرشيد، وأم ولده محمد الأمين.
كانت ذات معروف وخير وفضل، ونفقة واسعة على الفقراء وأصحاب الحاجات.
وقصه حجها وما فعلته في طريقها من الإحسان مشهورة، فقد قال بعض المؤرخين: إنها سَقَتْ أهل مكة الماء بعد أن كانت الراوية عندهم بدينار، وإنها أسالت المياه عشرة أميال، وغرست بعض البساتين.
وأما حجتها المشهورة فقد أنفقت فيها ألف ألف وسبعمائة ألف دينار، ما بين مساجد بنتها، أو آبار حفرتها، أو فقراء مدت لهم يد العون. فرحمها الله رحمة واسعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |